بقلم: مها الشيخ

تجلس المواطنة تغريد أبو تين من قرية الولجة (10 كيلومترات جنوب مدينة القدس المحتلة) في خيمة نصبتها على أنقاض منزلها الذي هدمته جرافات الاحتلال الإسرائيلي منتصف شهر تموز/ يوليو الجاري والمكون من طابقين.

تقول أبو التين: "تفاجأنا بمداهمة جيش الاحتلال لمنزلنا برفقة أربع جرافات دون سابق إنذار، ثم شرعوا بهدم المنزل دون السماح لنا بإخراج الأثاث، وسط إطلاق قنابل الغاز السام والقنابل الصوتية الحارقة تجاه السكان الذين حاولوا معرفة ما يجري".

وتتحدث عن معاناة "السكن في خيمة" على أنقاض المنزل مع أطفالها الأربعة، قائلةً: بعد ستة أشهر من السكن في "منزل العمر"، الذي تمكنت من بنائه بعد 25 عامًا من الكد والتعب، ليضيع جهد العمر في سويعات قليلة، بحجة بناء المنزل "دون ترخيص".

وتزايدت عمليات هدم منازل أبناء شعبنا في الضفة الغربية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إذ هدم الاحتلال 318 منزلاً ومنشأة خلال النصف الأول من العام الجاري، وهو ما يقارب عدد المنازل التي هدمت عام 2023 بأكمله، وتركزت عمليات الهدم في القدس وفق إحصاءات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

وأصدرت سلطات الاحتلال منذ مطلع العام الجاري ما يزيد على 359 إخطارًا بالهدم ووقف البناء وإخلاء المنشآت، وفق ذات الإحصائية.

لم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للمواطنة ريم عيسى، التي هدم الاحتلال منزلها في بلدة عناتا "5 كيلومترات شمال شرق القدس المحتلة" منتصف الشهر الجاري، تقول عيسى: "يهدم الاحتلال منزلك في لحظة أمام عينيك، تشعر أن إنجاز العمر تدمر وأن السكاكين تقطع قلبك".

وتضيف: "لم يخطرنا الاحتلال بالهدم، اقتحموا البلدة فجأة وفجروا باب المنزل ولم يسمحوا لنا بأخذ الأثاث ولا أي شيء من المنزل".

ويهدم الاحتلال منازل المواطنين بحجة البناء دون ترخيص وتحديدًا في المناطق المصنفة "ج" والتي تبلغ مساحتها قرابة 61% من مساحة الضفة الغربية، إضافة إلى حجج أخرى تتمثل في "الاحتياجات الأمنية" لجيش الاحتلال، كما يهدم منازل شهداء وأسرى في "عقاب جماعي" يفرضه على عائلاتهم.

- أعباء مضاعفة

وتخلّف عمليات الهدم آثارًا نفسية كبيرة على الأسر، خاصةً النساء، لأن فقدان المنزل يفقدها مساحتها الخاصة التي تشعر فيها بالحرية والاستقرار والأمان، وفق المدير التنفيذي لمركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب خضر رصرص.

ويقول رصرص: إن "المسكن يرافقه المأكل والمشرب يتصدر المرتبة الأولى في سلم احتياجات الإنسان، للقدرة على البقاء، وبالتالي عندما يزول البيت تزول عناصر التمسك والثبات للبقاء في الحياة"، مؤكدًا أن المرأة أكثر المتأثرين من هدم المنزل، لأنها تقضي وقتًا أطول داخله، وكل مكان في البيت بالنسبة لها له معنى إضافي من المطبخ وغرف النوم إلى الصالون الذي تستقبل فيه صديقاتها وأهلها، والمساحة المحيطة في البيت، مشيرًا إلى أن هدم البيت هتك للستر، فالبيت هو الستر، وعندما يزول يفقد الإنسان جزءًا من الإحساس بالأمن والستر.

ويرى رصرص، أن المنزل يمثل مجموع ذكريات الإنسان، وزواله يعني زوال الذكريات الجميلة التي كانت موجودة في حياة الإنسان، فالبيت هو كينونة الإنسان، وأي ضرر يلحق فيه يلحق بالقوام العام للإنسان.

وتقول الإعلامية المختصة في شؤون النساء ناهد أبو طعيمة: أن "فقدان البيت له بُعدٌ معنوي، عندما تفقد بيتك تفقد جزءًا من روحك، والنساء يفقدن المملكة الخاصة بهن، هي تفاصيل وذكريات كثيرة عاشتها ورتبتها وحلمت بها، اعتنت في أبنائها ورأتهم يكبرون في هذا المنزل، وخرجوا إلى المدارس والجامعات منه، إلى أن زوجتهم، فعندما يفقد الإنسان البيت يفقد تفاصيل وذكريات وتموت أجزاء كبيرة من روحه".

وتشير أبو طعيمة إلى أن النساء يتحملن أعباء مضاعفة عند الاستيلاء على أرض الأسرة ومصدر رزقها وحياتها، أو عند هدم منزل العائلة، حيث لا تفقد حقها في السكن وحسب، وإنما تفقد الاستقرار النفسي والاجتماعي، ويزداد العبء النفسي الواقع عليها في توفير العناية والرعاية لأسرتها التي تشتت بفعل ذلك.

وفي السياق ذاته، تقول إلهام سامي من جمعية النجدة الاجتماعية لتنمية المرأة الفلسطينية: إن "البيت بالنسبة للمرأة جزء من الكينونة، ويشكّل بيئة آمنة لها، وبالتالي هدم البيت ينسف الأمن والأمان والكينونة، والتاريخ الاجتماعي المبني على حيز البيت المحيط من أهل وجيران".

وتتابع قائلةً: "هدم البيت يؤلم المرأة ويمسها، لأنها تكون معتادة على نظامٍ منزلي معين، وعند هدم البيت كل هذا النظام يتغير، كونها المسؤولة عن إدارة البيت وتنظيمه".

وفي الحديث عن ما يمكن تقديمه للمرأة التي تفقد منزلها، تشدد على ضرورة العمل على مستوى دولي لمناصرة المرأة والضغط على المنظمات الدولية لإجبار الاحتلال على وقف سياسة هدم المنازل، إضافة إلى الاسناد المباشر للمرأة من خلال المؤسسات النسوية والجهات ذات الاختصاص عبر تقديم الدعم النفسي لها، والدعم المادي لتتمكن من النهوض مرة أخرى، وتقديم دورات لتعليم النساء بعض الحرف لتمكينهن اقتصاديًا، وضرورة إيصال صوتهن عن طريق الإعلام ونقل قصصهن.

إلى ذلك، تقول استشارية الطب النفسي ومديرة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية سماح جبر: إن "هدم المنزل له أثر نفسي بالغ على كل أفراد الأسرة، كونه الحيز المكاني الذي تدور فيه قصة العائلة، وتبذل العائلات الفلسطينية جهدًا من أجل اقتناء المنزل".

وتضيف: أن هدم المنزل ليس خسارة مادية فادحة فقط بل هو خسارة نفسية كبيرة أيضًا، تلحق بالنساء خاصة اللواتي يتأثرن بشكل واضح، وعلاوة على ذلك يلعبن دورًا احتوائيًا لجميع الأسرة من ناحية ويحاولن إخفاء ألمهن، من أجل التخفيف على الرجل واحتواء خوف وغصة الأطفال نتيجة تحطم ذكرياتهم في هذا المكان.

وتنوه إلى أن كل التدخلات النفسية متاحة لأي شخص يطلب الخدمة، فبعض الأفراد يصابون بالقلق والاكتئاب الذي يبدأ من يوم إصدار قرار الهدم وتحديدًا عندما يجبر الاحتلال المواطنين على هدم منازلهم بأنفسهم.

- هدم المنزل ذاتيا

لا يقتصر الأمر على هدم المنزل بجرافات الاحتلال فحسب، إنما تجبر سلطات الاحتلال المواطنين المقدسيين على هدم منازلهم ذاتيًا، تجنبًا للتكاليف الباهظة التي يفرضها الاحتلال على صاحب المنزل في حال قيام الجرافات الإسرائيلية بهدمه.

هذا الأمر ينطبق على المسنة المقدسية المقعدة لطيفة الوحيدي (83 عامًا)، إذ أجبرتها سلطات الاحتلال على هدم منزلها ذاتيًا، في منتصف الشهر الجاري، في بلدة سلوان، كيلومترين جنوب المسجد الأقصى.

وتوضح الوحيدي، أنها فقدت منزلها التي تبلغ مساحته 120 مترًا، وتقطن فيه مع ستة من أحفادها، منذ عام 2008، أصبحوا مشتتين دون مأوى ويبحثون عن بيت للإيجار.

ويبين تقرير هيئة الجدار والاستيطان خلال النصف الأول من عام 2024، أن الاحتلال نفذ 243 عملية هدم في مختلف محافظات الضفة الغربية، طالت 318 منشأة متنوعة، ففي محافظة أريحا والأغوار، تم هدم 28 منشأة، وفي الخليل تم هدم 66 منشأة. أما في القدس، فقد تم هدم 85 منشأة، وفي بيت لحم، تم هدم 31 منشأة، وفي جنين تم هدم 34 منشأة، وفي رام الله والبيرة، تم هدم 10 منشآت، وفي سلفيت تم هدم 3 منشآت. وفي طولكرم، فقد تم هدم 21 منشأة، وفي قلقيلية تم هدم 16 منشأة، وفي نابلس، تم هدم 24 منشأة.

وبالإجمال، تم هدم 137 مسكنًا مأهولاً، و36 مسكنًا غير مأهول، و63 مصدر رزق، و61 منشأة زراعية، و21 منشأة أخرى، ليصل مجموع المنشآت المهدمة إلى 318 منشأة، مقارنة مع هدم 313 منشأة خلال عام 2023 بأكمله، في مؤشر على تصاعد عمليات الهدم بصورة غير مسبوقة.

كما أدى العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ أكثر من عشرة أشهر إلى تدمير وإلحاق أضرار بـ60% من الوحدات السكنية، حيث هدمت 138 ألف وحدة سكنية بصورة كاملة، وتضررت 453 ألف وحدة ولم تعد صالحة للسكن، إلى جانب الدمار غير المسبوق الذي لحق بالمدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس والبنية التحتية، وفقًا للمعطيات الرسمية.