في ظل احتدام الحملة الانتخابية بين مرشحي الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، دعا رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، رئيس حكومة الإبادة الجماعية بنيامين نتنياهو، لإلقاء خطاب أمام المجلسين، الذي تم الأربعاء في الرابع والعشرين من يوليو الحالي، أي قبل اثنان وسبعين ساعة فقط، في سعيٍّ منه لاستقطاب أصوات الناخبين الأميركيين من اتباع الديانة اليهودية الصهاينة والمتصهينين، والحصول على الدعم المالي والإعلامي وأصوات الناخبين الذين يدورون في فلك أقطاب رأس المال و"الايباك" وامبراطورية الاعلام الصهيونية. 
لهذا أعلن 124 نائبًا من أعضاء المجلسين الديمقراطيين (ليس نحو 90 عضوًا فقط، كما أشارت المعطيات سابقًا) مقاطعة جلسة المجلسين المشتركة التي ألقى فيها نتنياهو خطابه المليء بالأكاذيب والتلفيقات والأساطير والخزعبلات وقلب الحقائق رأسًا على عقب، ومن بين من قاطعوا كاملا هاريس، نائبة الرئيس بايدن، والمرشحة الأوفر حظًا عن الحزب الديمقراطي للرئاسة في مواجهة مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب. مما جعل رئيس وزراء إسرائيل يحجم عن ذكرها في خطابه، مع أنه تطرق للرئيس الأميركي الحالي والرئيس السابق، واثنا عليهما، ممسكًا العصا من المنتصف. 

وافترض رجل إسرائيل الحاكم بأمرها، أنه رد صفعة هاريس مباشرة في كلمته الهزلية، لكنه جوبه بصفعة ثانية في أقل من 24 ساعة من قبل مرشحة الحزب الديمقراطي، بعد اللقاء الذي جمعهما أول أمس الخميس 25 يوليو الحالي لمدة أربعين دقيقة في البيت الأبيض، وبعد نحو ثلاث ساعات من لقائه مع الرئيس بايدن في ذات البيت. ولم يكن الاجتماع المشترك دافئًا، لا بل متحفظًا ومشوبًا بالريبة والمحاذير من كليهما. خاصةً وأن كمالا هاريس أدلت بموقف رافض لمواصلة الإبادة الجماعية على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ودعت لوقفها فورًا، ولإدخال المساعدات الإنسانية بكثافة من الممرات البرية للمواطنين وللخشية من بروز تناقض بين موقف نائبة الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، اتفقا على عدم عقد مؤتمر صحفي مشترك في أعقاب اللقاء. 
لكن هاريس عقدت مؤتمرًا صحفيًا بعد لقائها مع نتنياهو، وأعربت عن موقفها الرافض لاستمرار الإبادة الجماعية، وقالت: "إن الوقت قد حان لإنهاء هذه الحرب المدمرة"، وأبلغت رئيس حكومة الإبادة "بضرورة إبرام اتفاق سلام، ولن تبقى صامتة" وكأنها تلوح ضمنًا بعصا غليظة من الآن، وقبل جلوسها على كرسي الحكم، إذا ما قدر لها الفوز في الانتخابات الرئاسية. وأضافت: "ما حدث في غزة خلال الأشهر التسعة الماضية مدمر – صور الأطفال الشهداء والناس الجائعين اليائسين الذين يفرون بحثًا عن الأمان، وأحيانًا ينزحون للمرة الثانية والثالثة أو الرابعة، لا يمكننا التغاضي عن هذه المآسي، لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح غير مبالين للمعاناة، ولن أبقى صامتة". وحتى وهي تكرر المقولة الأميركية والأوروبية السخيفة "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، لكنها لم تتركها على عواهنها، مؤكدة بأنه ليس كيفما كان، وإنما علينا أن ندقق في "كيفية القيام بذلك"، لأن هذا الأمر مهم. 

ولخصت موقفها بشكل كامل بالقول: "حان الوقت لإنهاء هذه الحرب بطريقة تضمن أمن إسرائيل، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وتنهي معاناة الفلسطينيين في غزة، ما يسمح بتمكين شعبنا من ممارسة حقه في الحرية والكرامة وتقرير المصير". وأضافت: "دعونا جميعًا ندين الإرهاب والعنف، دعونا نفعل ما بوسعنا لمنع معاناة المدنيين الأبرياء، دعونا ندين معاداة السامية وكراهية الإسلام والكراهية من أي نوع، دعونا نعمل على توحيد بلدنا". وما تقدم يكشف أولاً عن تميز المرشحة الديمقراطية عن الرئيس بايدن، والإدارة عمومًا، واقترابها كثيرًا من الاتجاه الديمقراطي "اليساري" في الحزب من محاكاتها للإبادة الجماعية، واصرارها على موقفها؛ ثانيًا رفضها منح إسرائيل كرت بلانش تحت اليافطة المرفوضة قانونيًا وسياسيًا وأخلاقيًا وفق الدستور الأميركي وميثاق الأمم المتحدة "حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها" لأنه لا يجوز للدولة القائمة بالاحتلال والإرهاب بادعاء "الدفاع عن النفس"؛ ثالثًا صدمة نتنياهو وأركان حكومته بما حمله مؤتمرها الصحفي من مواقف، حتى أن العديد منهم ومن وسائل الاعلام الإسرائيلية، اعتبروا موقفها "عارًا" و"قد يؤثر على مفاوضات صفقة التبادل للأسرى"، وهذا افتراء على الحقيقة، كونه يعزز الضغط على رئيس حكومة الإبادة الجماعية لوقفها؛ رابعًا عدم خشيتها من تبعات موقفها الرافض للإبادة. لأن رئيسها وإدارتها تدعو لذلك، ومنافسها الجمهوري دعا لنفس الموقف، فضلاً عن اتجاهات واسعة تدعم موقفها الإيجابي.
ورغم الاختلاف مع نائب الرئيس الأميركي هاريس في بعض النقاط، لكن موقفها عمومًا كان إيجابي، وينسجم مع الموقف الفلسطيني والمواقف الأممية وقرارات الشرعية الدولية، ويتناقض مع الرؤية الفاشية الإسرائيلية.