بقلم: نديم علاوي

يتنقل المواطن معن طنوس (40 عامًا) وأفراد أسرته بين منازل أقاربهم، بينما يواصل بحثه عن منزل للإيجار يؤويهم، بعد أن هدم الاحتلال الإسرائيلي منزلهم إلى جانب منزلين آخرين قبل نحو أسبوعين، في قرية الديوك التحتا شمال غرب مدينة أريحا.

ويقول طنوس الذي يمتلك منزلاً تقدّر مساحته بـ120 مترًا مربعًا، كان يؤويه ووالدته وزوجته ونجليه: "بعد هدم منزلنا، بتنا نواجه مستقبلاً مجهولاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".

وتتعرض قرية الديوك التحتا إلى اعتداءات متواصلة من قبل الاحتلال ضمن سياسة التهجير القسري الهادفة إلى إفراغ المنطقة من أهلها لصالح التوسع الاستعماري، حيث هدم الاحتلال وأخطر بهدم عشرات المنازل بذريعة البناء دون ترخيص، ولا تقتصر سياسة الاحتلال في هدم منازل المواطنين على محافظة أريحا والأغوار، بل تطال كل محافظات الضفة الغربية، بما فيها محافظة القدس.

وفي مدينة القدس المحتلة، يضطر المواطنون أحيانًا إلى هدم منازلهم بأيديهم، تجنبًا لدفع تكاليف الهدم الباهظة التي تفرضها بلدية الاحتلال في حال نفذت آلياتها عملية الهدم.

عائلة قنبر في بلدة جبل المكبر جنوب شرق القدس المحتلة، وجدت نفسها مجبرة على هدم منزلها لتجنب غرامة مالية قدرها 80 ألف شيقل في حال هدمته آليات الاحتلال.

ووثقت كاميرات الصحفيين الذين تواجدوا في المكان، دموع الطفلة ريماس قنبر (9 سنوات)، وهي تراقب منزل عائلتها يهدم أمام أعينها، مستعيدة شريط ذكرياتها الجميلة مع أشقائها داخل المنزل الذي احتضنهم مع عائلتهم منذ 6 سنوات.

وتقول المواطنة غدير عبيدات: "أنها كانت تقطن في المنزل برفقة حماتها و6 من أبنائها وبناتها، وباتوا الآن يبحثون عن منزل بديل يؤويهم".

ومنذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي الشامل على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وبالتوازي مع الدمار غير المسبوق الذي لحق بالمنازل والمباني والمنشآت في القطاع، تصاعدت عمليات هدم منازل المواطنين، خاصة في المنطقة المسماة (ج)، التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة.

وتظهر معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أن عملية الهدم الواحدة في الضفة الغربية أصبحت تستهدف عددًا أكبر من المنشآت، والحجة "عدم وجود ترخيص".

وتقول الهيئة: "أن سلطات الاحتلال هدمت 318 منشأة في الضفة خلال النصف الأول من عام 2024، مقارنة مع هدم 313 منشأة خلال عام 2023 بأكمله، في مؤشر على تصاعد عمليات الهدم بصورة غير مسبوقة".

ويقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان: "أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل استهداف البناء في المنطقة المسماة "ج"، كما وأصدرت حتى النصف الأول من العام الجاري 359 إخطارًا، تراوحت بين إخطارات للهدم، ووقف بناء، وإخلاء منشآت، بحجة "عدم الترخيص"، مشيرًا إلى أن العلاقة متلازمة بين إصدار إخطارات الهدم وتنفيذ الهدم ذاته، وتتركز معظم إخطارات الهدم في محافظة الخليل (111 إخطارًا)، ومحافظة أريحا والأغوار (73 إخطارًا)، ومحافظة رام الله والبيرة (46 إخطارًا)، في حين كانت بقية الإخطارات في محافظات قلقيلية وبيت لحم ونابلس والقدس، مؤكدًا أن عمليات الهدم تركزت خلال النصف الأول من العام الجاري، في محافظتي القدس والخليل (151 منشأة)، في خطوة تعكس مخططات الاحتلال الاستعمارية المتواصلة لتهجير المواطنين والاستيلاء على أراضيهم لصالح التوسع الاستعماري.

وأشار شعبان إلى أن عمليات الهدم هي أداة لتنفيذ مخططات الاحتلال في حصار الفلسطيني وقمع حقه في التطور والتوسع العمراني والسكاني، يقابله منح رخصة مفتوحة للاستعمار والمستعمرين، في إطار تطبيق نظام الفصل العنصري "الأبارتهايد" الذي يمنح الحق للمستعمر على حساب صاحب الأرض.

وتمنع سلطات الاحتلال الفلسطينيين من إعداد المخططات الهيكلية في المناطق المسماة "ج"، بالإضافة إلى مدينة القدس المحتلة، كما تمنع حتى استصدار "رخص" بناء في تلك المناطق، للتذرع بعدم وجود ترخيص عند تنفيذ عملية الهدم.

وفي إشارة إلى التصاعد في عمليات الهدم، وحجم التحدي الذي يواجهه الفلسطينيون في المناطق المسماة "ج"، نوه شعبان إلى أن هذه خطة الاحتلال بأكمله، حيث يقود هذه المرحلة اليوم الوزير المستعمر المتطرف بتسلئيل سموتريتش، والذي بات يهدد أيضا المناطق المسماة "ب"، ما ينذر بأن السنوات المقبلة ستحمل المزيد من التضييق والهدم في مختلف أنحاء الضفة الغربية.

ويبين تقرير الهيئة خلال النصف الأول من عام 2024، أن الاحتلال نفذ 243 عملية هدم في مختلف محافظات الضفة الغربية، طالت 318 منشأة متنوعة، ففي محافظة أريحا والأغوار، تم هدم 28 منشأة، وفي الخليل تم هدم 66 منشأة.

أما في القدس، فقد تم هدم 85 منشأة، وفي بيت لحم، تم هدم 31 منشأة، وفي جنين تم هدم 34 منشأة، وفي رام الله والبيرة، تم هدم 10 منشآت، وفي سلفيت تم هدم 3 منشآت.

وفي طولكرم، فقد تم هدم 21 منشأة، وفي قلقيلية تم هدم 16 منشأة، وفي نابلس، تم هدم 24 منشأة.

وبالإجمال، تم هدم 137 مسكنًا مأهولاً، و36 مسكنًا غير مأهول، و63 مصدر رزق، و61 منشأة زراعية، و21 منشأة أخرى، ليصل مجموع المنشآت المهدمة إلى 318 منشأة.

ولفت شعبان إلى الجهد الذي تبذله الهيئة على المستويين المحلي والدولي لمواجهة مخططات الاحتلال، سواء عبر متابعة ملفات البناء قانونيا، ومحاولة تعويض المواطنين الذين تتعرض منشآتهم للهدم ما أمكن، أو من خلال إثارة هذه القضية وخطورتها على مستقبل القضية الفلسطينية في المحافل الدولية كافة.

وتنشط عدة مؤسسات حقوقية وقانونية في الدفاع عن أصحاب المنازل والمنشآت التي يخطرها الاحتلال بالهدم، أو في عمليات التوثيق والحشد والمناصرة الدولية لهذه القضية، على الرغم من أن الاحتلال يدير ظهره للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وشرائع حقوق الإنسان كافة.

وأكد مدير مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، عصام العاروري، أن عملية هدم الاحتلال لمنشآت الفلسطينيين في المناطق المسماة "ج"، أو عمليات الهدم التي تأتي في إطار العقاب الجماعي في مناطق "ب" و"أ" (هدم منازل عائلات الشهداء والمعتقلين)، والإخطارات بالهدم، سجلت أرقامًا غير مسبوقة.

وقال العاروري: إن "عمليات الهدم باتت تنفذ في ظل تحكم مستعمرين بسياسات البناء والتصنيف في المناطق المحتلة، ما يزيد من تعقيدات إصدار أوراق الملكية والترخيص للفلسطينيين، بينما كانت في السابق تتم تحت ضغوط المستعمرين، وتأثيراتهم على سلطات الاحتلال"، مشيرًا إلى أن ما يجري حاليًا يمثل تحولاً سياسيًا خطيرًا يهدف إلى منع إقامة دولة فلسطينية.

وتابع العاروري: "أن المسؤولين في سلطة الاحتلال خاصة سموتيرتش، يستخدمون سلطتهم في فرض "القانون" وتراخيص البناء لتمكين وتسويق مواقف "الصهيونية الدينية" التي تهدف بشكل واضح إلى منع إقامة دولة فلسطينية، مستعينًا بمصطلح "يهودا والسامرة"، كذريعة لتبرير الهدم"، مؤكدًا أن تواصل عمليات الهدم بهذه الوتيرة، سيجعلها تتجاوز نسبة غير مسبوقة يمكن أن تقارن بعمليات الهدم التي جرت على مدى ربع قرن، مشيرًا إلى زيادة التعقيدات بشكل كبير عند طلب استصدار أوراق الملكية في المناطق المسماة "ج"، حيث ترفض سلطات الاحتلال منح "التراخيص" اللازمة للفلسطينيين للبناء، خاصة في الأراضي التي باتت تستولي عليها وتصنفها بأنها "أملاك دولة".

وفي ظل الانتهاكات المتصاعدة من الاحتلال ومستعمريه على المواطنين في تل المناطق، وعمليات هدم المساكن والمنشآت، اضطر 25 تجمعًا بدويًا إلى الهجرة قسرًا في وسط الضفة الغربية والتلال المطلة على غور الأردن.

وأشار العاروري إلى فشل المواطنين في المناطق المسماة "ج" في الحصول على "تراخيص" في ظل "التحيز" الواضح في النظام القضائي الإسرائيلي، حيث يقدم المواطنون طلبات للحصول على تراخيص للمحاكم الإسرائيلية التي ترفض 99% منها، وفقًا للإحصائيات، كما يتم تقديم اعتراضات على الرفض، وصولا إلى إصدار أوامر احترازية من "العليا الإسرائيلية" أحيانًا، لكن فرص النجاح في ذلك تكاد تكون معدومة.

وأكد العاروري أن "ذلك لا يغلق الباب للتقاضي الدولي باعتبار المس بممتلكات المواطنين في المناطق الخاضعة للاحتلال هو جريمة حرب، باتت منظمة، وتدخل كواحدة من جرائم الحرب التي تشمل النقل القسري للسكان، وهناك آفاق لمقاضاة دولة الاحتلال وأجهزتها العسكرية في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".