من أزمات إسرائيل العديدة، أزمة الجيش الناتجة عن حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، والسابقة عليها، والتي تتفاقم مع دوامة الحرب والجبهات المفتوحة بشكل جزئي راهنًا، والتي قد تتدحرج إلى حرب إقليمية مفتوحة، مما يثقل كاهل الجيش، الذي له دولة. لا سيما وأن الدولة العبرية تعتبر نموذجًا لدولة أسبارطة العسكرية، بعكس دولة أثينا المدنية في الحقب التاريخية القديمة. 
للعلم يحتل الجيش الإسرائيلي المرتبة 17 عالميًا، ومن الجيوش الأولى إقليميًا وفقًا لاحصائيات موقع "غلوبال فادرباور" الأميركي، ويصل عدده إلى 169 ألفًا في الخدمة النظامية، وقرابة 465 ألفًا في الاحتياط، وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "أي أي إس إس"، ويضم في صفوفه مجموعات متنوعة من اتباع الديانات المختلفة في إسرائيل بالإضافة للمرتزقة، وهذه الاحصائيات صدرت مؤخرا في 20 مارس 2024. 

ولعمق أزمة الجيش طالب رئيس الأركان هرتسي هليفي من رئيس الوزراء وبقية أركان الحكومة الحاجة إلى تجنيد 15 كتيبة وبشكل فوري بحجم 4500 جندي حتى يتمكن من القيام بمهامه على الجبهات المختلفة، حسب ما كشفت المصادر العسكرية، وما ذكرته القناة 12 الإسرائيلية يوم الاثنين 10 يونيو الحالي. وعندما لم تتجاوب الحكومة، أرسل رسالة مكتوبة لنتنياهو ليوثق تحذيراته، حتى لا يتحمل المسؤولية لاحقًا. وجاء طلب رئيس الأركان عشية مصادقة الكنيست فجر الثلاثاء 11 يونيو الحالي على اعفاء الشباب الحريديم من التجنيد، الذين يبلغ عدد المطلوبين للتطوع وفق السن القانونية سنويا نحو 12 ألفًا، وهذا رقم كبير نسبيًا، وأبلغهم انه تمكن من تشكيل 5 كتائب تتكون من جنود تم اعفاءهم من الخدمة. وقال: "أن أزمة القوى البشرية في الجيش مكلفة للغاية، وأن المبلغ الذي أنفق من خزينة الدولة منذ بداية حرب الإبادة لتجنيد قوات الاحتياط تجاوز ال40 مليار شيقل/ 11 مليار دولار". ونقلت القناة 12 عن جندي احتياط قوله أن "هناك حالة استنزاف كبيرة في صفوف الجيش، وضغوطًا كبيرة من العائلات وأماكن العمل".
وتعود أسباب الأزمة أولاً إلى أن النظرية الأمنية الإسرائيلية تعتمد على الحروب الخاطفة، وبأقل الخسائر؛ ثانيًا حالة الاسترخاء التي أصابت الجيش بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان في يونيو 1982؛ ثالثًا انتهاج القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية سياسة تقليص عدد القوات العسكرية، وتعزيز قدرات الجيش بالاعتماد على إدخال النظم التكنولوجية المتطورة للتعويض عن نقص العدد في القوات؛ رابعًا تهديد الحاخامات وقادة الأحزاب الدينية مثل شاس ويهوديته توراة وأحزاب الصهيونية الدينية بهدم معبد الحكومة ومغادرة إسرائيل في حال تم إقرار تجنيد الشباب الحريدي؛ خامسًا سقوط أعداد كبيرة من الضباط والجنود بين قتيل وجريح في حرب الإبادة؛ سادسًا المشاغلة العسكرية وفتح الجبهات العديدة في الضفة الفلسطينية وجنوب لبنان والجبهة السورية واليمن، أثرت تلك الجبهات على قدرة الجيش على الوفاء بالتزاماته، سابعًا هروب وعدم التزام المئات والآلاف من جنود وضباط الاحتياط بالاستدعاءات للالتحاق بالجيش؛ وهذا ما أكده ضابط في الاحتياط بانخفاض كبير في نسبة امتثال الجنود لاستدعاءات الجيش، الأمر الذي استدعى نشر إعلانات للبحث عن متطوعين للقتال في غزة عبر تطبيق "واتساب"؛ ثامنًا مغادرة مئات الآلاف من حملة الجنسيات الأخرى الدولة إلى دولهم الأصلية، حيث يقدر عددهم ما يفوق عن نصف مليون وفق الاحصائيات الإسرائيلية.

كما أن الاعتماد على المرتزقة من دول العالم، الذين بلغ عددهم نحو 7500 مرتزق لا يفي بالحاجة لتغطية التزامات الجيش الإسرائيلي، بالتالي فإن المؤسسة العسكرية بأمس الحاجة لتجنيد شباب الحريديم بدل الاعفاء لهم من الخدمة بذريعة دراسة التوراة، استمرارًا لقانون الكنيست بهذا الشأن عام 2015، الذي رفضته المحكمة العليا الإسرائيلية في ذات العام، معتبرة أن الاعفاء يمس ب"مبدأ المساواة وتقاسم الأعباء". ومنذ عام 2017 فشلت الحكومات المتعاقبة في التوصل إلى قانون توافقي في هذا الشأن، وواصل الكنيست تمديد الاعفاء. لكن مع نهاية مارس الماضي، انتهى سريان أمر بشأن تجنيد الحريديم، وتعهدت الكنيست بسن قانون في الدورة الصيفية، وقبلت المحكمة التمديد بسبب الانشغال في حرب الإبادة، وحصلت على رد مكتوب بقبول الالتماسات المقدمة راهنا للوفاء بالالتزام لسن قانون آخر.
وكان وزير الحرب غالانت صوت ضد تمرير تمديد الإعفاء، وكتب عبر موقعه على منصة "اكس" عقب انتهاء التصويت، أن "شعب إسرائيل يرغب في التوصل إلى تفاهمات، لكن يجب ألا نمارس سياسات حزبية على ظهور مقاتلي الجيش" وأضاف لا علاقة للتوراة بالأمر، وإنما اعتبارات سياسية حزبية. مما دعا مدير مكتب نتنياهو، تساحي برافامان إلى اعتبار "أنه وقح، ويجب إقالته". وعقب كل من رئيس المعسكر الرسمي، غانتس، وزعيم المعارضة لبيد ضد التصويت لصالح اعفاء الحريديم. 
ازمة الجيش الإسرائيلي عميقة عمق ازمة المشروع الصهيوني برمته ودولته اللقيطة إسرائيل، والتي لن تنتهي عند حدود التصويت، وسيكون لها تداعيات على مستقبل المجتمع الإسرائيلي برمته وقادم الأيام سيكشف عن ذلك.