إلى متى يفترض الصمت، وإغماض العيون عما يجري تحت أنظارنا، وأنظار العالم؟ وهل من الحكمة والمسؤولية الشخصية والوطنية والقومية التعتيم على التطبيع المجاني المخالف لأبسط محددات مبادرة السلام العربية، وللأمن القومي العربي؟ هل بتنا نعاجًا وخرافًا نساق إلى مسلخ الذبح دون أن نصرخ، ونقول كفى، ولا كبيرة؟ وهل إذا كفرنا بالهزيمة والركض في متاهة الأعداء الإسرائيليين والأميركيين نكون ارتكبنا جريمة؟ وما هي معايير التكتيك العلمي الصائب والواقعي للخروج من نفق الأزمات العميقة التي ندور في دواماتها؟ وأين الأصوات العربية الشجاعة والمسؤولة في الرد على كل حالات التهتك التي أدمت الجسد العربي الرسمي؟ وماذا نقول للعالم والدول والشعوب في إفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وحتى في أوروبا والولايات المتحدة، عندما يسألوننا اين اشقاءكم العرب؟ ولماذا لا يتدخلون لدعمكم واسنادكم في وقف حرب الابادة الجماعية التي مر عليها 253 يوما؟ وماذا تقولون لهم في الاجتماعات المشتركة؟ ولماذا تأتونهم من تحت، ولا ترفعون صوتكم بحكمة وشجاعة؟ وماذا تخشون من خسائر أكثر مما أنتم به من أوضاع مأساوية وغير مسبوقة في تاريخ الصراع؟ وهل سيبرئكم التاريخ من صمتكم وتكتيكم البائس؟

 
الأسئلة المثارة وغيرها تتعلق بلقاء هرتسي  هليفي، رئيس اركان الجيش الإسرائيلي مع قادة خمس جيوش عربية في البحرين سرًا تحت رعاية قائد القيادة المركزية "سنتكوم" إريك كوريلا، بحسب ما كشف موقع "اكسيوس" الأميركي مساء الأربعاء 12 يونيو الحالي، وسط نيران حرب الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني للشهر التاسع على التوالي، التي أدت لاستشهاد ما يزيد عن 37 ألف شهيد، وما يفوق ال85 ألف جريح، وما ينوف عن 10 آلاف من المفقودين، بالإضافة لعمليات التدمير الهائلة والممنهجة لكل معالم الحياة بما في ذلك الاوكسجين والماء والكهرباء والوقود والاتصالات. والاسئلة الواردة أعلاه مطروحة على زعماء الدول الشقيقة للإجابة عليها، أو محاولة الايعاز من كتبة بلاطهم وسلطانهم الرد، إن كان لديهم الشجاعة للتعليق والتوضيح، لعلهم يقنعوننا بما لديهم من رؤى برنامجية، قد تكون غائبة عنا. 
مع ذلك، أجزم أنه لا يوجد ما يبرر اللقاء أي كانت المبررات أو الذرائع. لا سيما وأن هليفي أحد أركان حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، والحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو موغلة في الدم الفلسطيني، وترفض وقف حرب الإبادة، رغم صدور قرار مجلس الامن الدولي في 10 يونيو الماضي. فضلاً عن أن الحرب الدائرة على فلسطين المحتلة وشعبها، هي حرب بالوكالة عن العرب أجمعين، ولا تقتصر على الشعب الفلسطيني، ولا على فصيل أو حركة منه.


ووفق تقرير "واللا" العبري، بأن الاجتماع عقد لبحث "التعاون الأمني الإقليمي" بمشاركة قادة جيوش إسرائيل والدول العربية ال5، وذلك بعيدًا عن الأضواء، ودون الإعلان عن اللقاء بسبب الحساسيات السياسية الإقليمية المتعلقة بالحرب على غزة". وذكر التقرير، أن اللقاء يعتبر "إشارة للتأكيد على أن الحوار العسكري والتعاون بين إسرائيل والدول العربية مستمر تحت مظلة القيادة المركزية للجيش الأميركي، على الرغم من الانتقادات والادانات شديدة اللهجة التي تصدر عن هذه الدول ضد العمليات العسكرية في غزة." وأفاد التقرير أن واشنطن تعتبر أن التصدي للهجوم الإيراني الذي استهدف إسرائيل في ابريل الماضي "انجاز عظيم لم يكن ليتحقق دون هذه الجهود." وقال مسؤولون أميركيون أن التعاون بين إسرائيل والدول العربية بالمنطقة مكَّن من جمع معلومات استخبارية حول الهجوم، ووفر إنذار مبكر من المسيرات والصواريخ.  
والأسئلة التي تطرح نفسها مجددًا على المتلقي من عامة العرب، ما الفائدة المرجوة من التعاون الأمني مع إسرائيل الآن وسابقًا ولاحقًا؟ وهل الدولة العبرية معنية بأمن ومصالح العرب؟ والا يعني ذلك، ان التطبيع المجاني مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية ماض على قدم وساق، ومتجاوزًا محددات مبادرة السلام العربية؟ وماذا تريد الدولة اللقيطة أكثر من ذلك؟ وما قيمة بياناتكم ومؤتمراتكم المتعاقبة وتنديداتكم وشجبكم لحرب الإبادة، وأنتم تلتقون باركان القيادات النازية الإسرائيلية؟ وهل يمكن لهذه اللقاءات المرفوضة والمدانة أن تساهم بوقف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني الشقيق؟ ولماذا لم تنفوا الخبر، إن لم يكن صحيحًا ومزورًا؟ وماذا يعني صمتكم؟ إلا يعني أن الخبر مؤكدًا؟ ألم تتعلموا من مقولة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، الذي قال المتغطي بأميركا عريان؟ على ماذا تراهنوا في حرص واشنطن على مصالح انظمتكم؟ وألم يؤكد تاريخ البيت الأبيض والرؤساء الذين أقاموا به، أن ما يهمهم مصالح أميركا، وكل المداهنات مع قادة وزعماء العالم، لمجرد الضحك على دقونهم، واستغلال سذاجتهم واستغبائهم لتحقيق أهدافها الحيوية ثم تلقي بهم على قارعة الطريق.


أيها الأشقاء سهل جدًا اللجوء للغة التخوين والإساءة، لكن لا نبحث عن افتعال معارك وهمية معكم، ولا نريد استعداء أي من بلدانكم، لا بل نريدكم سندًا لنا، وداعما لحقوقنا، وهي حقوقكم، إن لم أكن مبالغًا ومتطيرًا، لهذا وضعت القيادة الفلسطينية من موقع المسؤولية الوطنية والقومية البيض كله في سلتكم، لحرصها على الشراكة القومية، وليس ضعفًا أو استصغارًا للشأن الوطني، مع أنه خطأ كبير، ورفضت رغم كل المنغصات والارباكات من بعض الدول الشقيقة الانجرار للتحريض أو التخوين أو التكفير لاشخاصكم ولأوطانكم، وغضت النظر عن الخطايا والمثالب، وعملت على امتصاصها رغبة منها في إبقاء الجسور مفتوحة، ووثقت بكم. لكن لا نستطيع ان نغطي شمس الحقيقة بغربال ممزق، ولن نحني رؤوسنا أكثر، وندعوكم مرة جديدة لان تتماثلوا مع مواقف جنوب إفريقيا ونيكاراغوا وكولومبيا وكوبا وفنزويلا وتشيلي والبرازيل والمالديف ومع الرأي العام الأميركي والأوروبي، وأن تتحملوا مسؤولياتكم القومية، كما يليق بالأخوة العربية. فهل أنتم فاعلون؟