الأزمة الداخلية الإسرائيلية عمومًا وداخل كابينت الحرب خصوصًا متواصلة، حيث كان وزير الحرب يوآف غالانت أعلن قبل أيام قليلة في تصريح علني عن رفضه سيطرة إسرائيل على غزة عسكريًا، ودعا لإنشاء إدارة محلية من سكان القطاع. وأعقب ذلك اول أمس توجيه إنذار من بيني غانتس، عضو مجلس الحرب لرئيس الوزراء نتنياهو، لوح فيه بالاستقالة مع زميله في المعسكر "الوطني" غادي ايزنكوت من مجلس حرب الإبادة الجماعية على أبناء الشعب العربي الفلسطيني في حال لم يضع خطة واضحة المعالم بشأن الحرب الدائرة، وتحديد كيفية إدارة قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، وأعطى مهلة 20 يومًا لنتنياهو. جاء ذلك في مؤتمره الصحفي مساء يوم السبت 18 مايو الحالي، التي تضمن اقتراح من 6 نقاط: أولاً إعادة المختطفين الإسرائيليين لدى حماس؛ ثانيًا القضاء على حكم حماس؛ ثالثًا نزع السلاح من غزة، وضمان الوجود العسكري الإسرائيلي؛ رابعًا إقامة إدارة أوروبية أميركية فلسطينية للقطاع مدنيًا، تضمن سلطة ناجحة تحكم غزة، وإعادة المواطنين في الشمال؛ خامسًا تطبيع العلاقات مع السعودية من خلال خطوة واسعة لإقامة علاقات مع العالم العربي؛ سادسًا تجنيد طلاب المعاهد الدينية في إسرائيل، لضمان قوة الجيش.


وقال رئيس ما يسمى المعسكر الوطني: "هناك حاجة للتغيير الان، ولن نسمح باستمرار هذه المهزلة"، وأضاف: "نتنياهو يقود السفينة نحو الهاوية، وعلى رئيس الوزراء الاختيار بين الفرقة والوحدة، وبين النصر والكارثة". وفي ختام المؤتمر الصحفي وجه حديثه لنتنياهو بالقول "إذا لم تفضل المصلحة الوطنية، وفضلت المتطرفين فسنضطر لتقديم استقالتنا، وسنقيم حكومة تحظى بدعم الشعب". وطالب الحكومة بالموافقة على خطته المذكورة آنفا بحلول 8 يونيو القادم. 
ويأتي موقف غانتس بعد انقشاع غبار القمة العربية في المنامة، وبعد تصاعد التوتر بين اركان الجيش الإسرائيلي ونتنياهو وبن غفير وسموتيرش، وغياب الخطة الواضحة، واستمراء رئيس الوزراء إدامة حرب الإبادة على القطاع دون رؤية وخطة عمل واضحة لمواصلتها، والدعوة الصريحة منه ومن وزير ماليته ووزير ما يسمى الأمن الوطني بالسيطرة الكاملة على غزة، وطرد الفلسطينيين منها، وبناء المستوطنات القديمة الجديدة، ورفض إقامة الدولة الفلسطينية، أو حتى مجرد وجود السلطة (الموجودة أصلاً فيها، ولم تغادرها عمليًا) في القطاع، وعشية زيارة جاك سليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي (الذي وصل أمس الأحد لإسرائيل والتقى نتنياهو، بعد لقائه في السعودية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان)، وبعد تصريح مستشار مجلس الامن القومي الأميركي للشؤون الاستراتيجية أول أمس لقناة الجزيرة القطرية الداعي لإنشاء سلطة فلسطينية متجددة تنسجم مع الرؤية الأميركية الإسرائيلية ومن يدور في فلكهم من أهل الإقليم.

كما أن المواقف المعلنة لكل من غالانت وغانتس وايزنكوت وهليفي تواترت، وخرجت للعلن لتكشف عن حجم التناقض الحاد بين مكونات كابينيت الحرب والحكومة الإسرائيلية عمومًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تبحث عن إنجاز، واستعادة شعبية الرئيس جو بايدن، التي انخفضت كثيرًا في اعقاب حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وبهدف الضغط على رئيس الوزراء لإقالة كل من سموتيريش وبن غفير، أو حل الحكومة، والذهاب لانتخابات مبكرة. مع ان إئتلاف نتنياهو مازال يحظى بأغلبية 64 عضو كنيست. لكن يبدو أن لدى رئيس المعسكر الوطني رهان بخروج عدد من أعضاء الليكود معهم، مما يسمح لهم بإسقاط الحكومة.

وردًا على تهديد عضو مجلس الحرب، قال نتنياهو إن "غانتس اختار توجيه إنذارًا لي، بدلاً من حماس". وأضاف: "شروط غانتس تعني إنهاء الحرب وهزيمة إسرائيل والتضحية بالمحتجزين والإبقاء على حماس وإقامة دولة فلسطينية". في حين رد بن غفير أيضا مباشرة ومساء السبت الماضي عبر تغريدة على موقع "إكس" جاء فيها "بني غانتس مجرد قائد صغير، لكنه بهلوان كبير، منذ اللحظة الأولى لانضمامه إلى الحكومة انشغل فقط في محاولات تفكيك هذه الحكومة". وتابع "سفره لواشنطن على عكس ما كان يريد رئيس الوزراء، وبعد هذه الزيارة أصبحت الإدارة الأميركية معادية لنا. وهذه الزيارة هي جزء بسيط من مؤامرات غانتس". ودعا نتنياهو الى اقالة غانتس وايزنكوت، كما إن أعضاء من الليكود دعوا لاقالة غالانت، ومتابعة الحرب واقتحام رفح، والسيطرة التامة على غزة. 
المؤشرات كافة تشير إلى أن كابينيت الحرب الإسرائيلي يتجه إلى التفكك وفق العديد من أركان الحكومة والمراقبين المختصين وتتضاعف الارباكات الداخلية، ولهذا ارتدادات على واقع الدولة الإسرائيلية، التي تتسع وتتعمق في اوساطها التناقضات والأزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية ومع أسر الأسرى الاسرائيليين، وتترافق مع اتساع التباينات بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن حول كيفية إدارة حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا مع دخولها الشهر الثامن، رغم التوافق العام حول هدف تصفية القضية الفلسطينية، والحؤول دون إقامة الدولة الفلسطينية، ورفض منع رفع مكانة دولة فلسطين لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. الأمر الذي يتطلب من القيادة الفلسطينية مواجهة التحديات بصلابة وقوة، والعمل بثقة وسرعة على خلط الأوراق في المشهد القائم لحماية المصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني.