بسم الله الرحمن الرحيم

الانتفاضة الأولى هي العنوان الاستراتيجي للعمل الوطني الفلسطيني

بيان صادر عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني/ فتح- لبنان

فتح ميديا - لبنان

تطل علينا الذكرى الرابعة والعشرون للانتفاضة الفلسطينية الشعبية التي انطلقت في 9/12/1987 بعد سلسلة أحداث دامية أدت إلى اندلاع انتفاضة الحجارة، الانتفاضة التي برمجها، وخطَّط لها، وأسسها مهندس الانتفاضة الشهيد القائد خليل الوزير أبو جهاد، وهو الذي منح هذه الانتفاضة التاريخية حياته واهتمامه منذ اليوم الاول وحتى اللحظة الأخيرة عندما اقتحمت مجموعة من الموساد الإسرائيلي منزله الكائن في تونس، ونفذت عملية الاغتيال في إطار خطة محكمة وفَّرت لها القيادة الإسرائيلية الإمكانيات الهائلة البرية والبحرية والجوية من أجل التخلُّص من القائد المُبدع الذي خطَّط لأهم العمليات التاريخية والإستراتيجية وفي المقدمة عملية الشهيد كمال عدوان وبطلتها دلال المغربي، وآخرها عملية ديمونا التي هزَّت أركان القيادة الإسرائيلية بعد أن استهدفت العملية المركز الذري الإسرائيلي وذلك في العام 1988.

 

لقد جاءت الانتفاضة الأولى بزخمها الشعبي، وتفاعل مختلف الشرائح، ومشاركة كافة القوى الوطنية والإسلامية، وانخراط الهيئات، والمؤسسات، واللجان والروابط على اختلافها في حالة الصراع اليومي ضد الاحتلال الإسرائيلي، هذا التحوُّل النوعي والشمولي في المجتمع الفلسطيني جاء ليشكل الرافعة الحقيقية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومنحها قوة الصمود والتحدي بوجه الضغوطات الهائلة التي تعرَّضت لها خاصة بعد الاجتياح الإسرائيلي المدمِّر.

أهمية الانتفاضة الأولى أنها استطاعت شد أنظار الجميع بأن العدو الأول والأساس للشعب الفلسطيني هو الاحتلال الإسرائيلي. كما أنها شكَّلت عاملاً محورياً استقطابياً أولاً على المستوى الفلسطيني بحيث أصبحت الانتفاضة هي عنوان العمل الوطني الفلسطيني في الداخل والشتات، وهذا ما أسهم في تجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية عملياً عبر تنفيذ البرنامج المقاوم المتفق عليه بين القوى الفلسطينية. كما أنَّ الانتفاضة أوجدت من خلال تميُّز أدائها ووعيها السياسي لطبيعة الصراع إجماعاً فلسطينياً وعربياً وعالمياً داعماً ومسانداً لبرامجها وتطلعاتها، وهذا ما أربك المؤسسات الإسرائيلية المعنية بالاستيطان والتهويد.

 

لقد أكدت هذه الانتفاضة بأنه لا سلام إلاّ السلام الفلسطيني، ولا حلَّ إلاّ الحل الفلسطيني، ولا خيار إلاّ الخيار الفلسطيني. امتلكت الانتفاضة قوة حضورها واستمرارها وعطائها على مدى حوالي ست سنوات، وذلك عائد بالطبع إلى القدرة القيادية المميَّزة للقيادة الوطنية الموحدة التي هي جزء لا يتجزأ من منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا ما أكدته البيانات المتتالية التي كانت تصدر عن القيادة الوطنية الموحدة.

إن نجاح الانتفاضة الأولى في تحقيق أهدافها تحقق من خلال الحوار البنَّاء بين مختلف القوى بما في ذلك مع القوى الإسلامية، وثانياً من خلال الإشراف اليومي على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بطرق وأساليب وأدوات مواجهة الاحتلال حتى لا يتم جر الانتفاضة إلى المربع الذي يريده العدو الصهيوني.

وثالثاً فإنَّ الانتفاضة أكدت قدرتها في حسن الإدارة، والقيادة، وبناء المؤسسات التي تضمن ديمومة الانتفاضة، وهذا ما أقنع الكيان الإسرائيلي بأنه أمام شعب منظَّم له حقوقه المشروعة. وهذا ما أجبره على أن يواجه أطفال الحجارة، ورماة زجاج المولوتوف بالرصاص والقنابل وارتكاب المجازر ضد الشيوخ والنساء والأطفال، وهو الذي فضح حقيقة الكيان الإسرائيلي العنصري والإجرامي أمام العالم بأسره، هذا العالم الذي انتصر لحقوق الشعب الفلسطيني، وعدالة قضيته الوطنية، وأصبحت كلمة  الانتفاضة بمضمونها الفلسطيني كلمة عالمية دخلت القواميس والمراجع العربية والدولية.

 

إن الانتفاضة الأولى لم تكن هبَّة عاطفية أو مجرد رد فعل على حادثة معينة وإنما كانت عملاً مدروساً بعناية بالغة، وفي إطار برامج وخطط واعية كان أبرزها المشاركة الشعبية الواسعة، واستخدام الأدوات الشعبية في المقاومة بعيداً عن السلاح، وهذا ما فوَّت الفرصة على العدو، ووضعه في موقف حرج.

ونحن نقف باحترام وإجلال أمام عظمة هذه المناسبة التي تركت أثراً مميزاً في تاريخ القضية الفلسطينية فإننا نستلهم منها العبر والدروس التي تحصِّن مسيرتنا الكفاحية، ومن هذه العبر:

أولاً: إعطاء الأولوية في نضالنا السياسي لإتمام المصالحة الفلسطينية، وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية على أُسس قوية، وبرنامج سياسي معبِّر عن إرادة الشعب الفلسطيني وتطلعاته الوطنية.

ثانياً: إنَّ نجاح المقاومة الشعبية في تأجيج الانتفاضة الأولى، ونجاحها في بلوغ أهدافها يعلِّمنا أهمية أن نختار ما يتناسب مع واقعنا الفلسطيني بعد دراسة هذا الواقع، ومن هذا المنطلق تبرز أهمية إستراتيجية المقاومة الشعبية التي تبنتها قيادة حركة "فتح" وبالتالي "م.ت.ف"، واليوم هناك إجماع من الفصائل الفلسطينية على عدم الانجرار في المواجهات العسكرية التي يخطط لها العدو، وإنما التركيز على المقاومة الشعبية وتعبئة كافة الشرائح للانخراط في هذا الجهد اليومي المنظم والفاعل.

ثالثاً: إن المقاومة الفلسطينية الشعبية وتفعيلها وتوسيع أُطرها يحتاج إلى تكثيف الجهود السياسية والدبلوماسية القيادية على المستوى الدولي وعبر كافة المؤسسات الأممية والتشريعية وفي هذا المجال نؤكد على أهمية النهج الذي اعتمده الرئيس أبو مازن بما يتعلق بتقديم طلب نيل الاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين على الأراضي المحتلة في العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وهذا ما يعزز دور "م.ت.ف" وسعيها لتثبيت حق العودة للاجئين الفلسطينيين استناداً إلى القرار الدولي 194.

التجربة الفلسطينية الشعبية التي شهدتها الانتفاضة الأولى غنية في كافة المجالات وتستحق الاهتمام، ويجب أن تكون مصدر إلهامٍ لنا في إستراتيجيتنا الجديدة بمواجهة البرامج الاستيطانية والتهويدية التي ابتلعت الأرض، وهجّرت الشعب، وهددت المقدسات.

التحية إلى قوافل الشهداء الذين يشكلون بأجسادهم جسر عبور نحو الوطن والحرية والاستقلال.

التحية إلى الأسرى الأبطال الصامدين خلف القضبان.

التحية إلى القائد الرمز ياسر عرفات وإلى الشهيد القائد خليل الوزير مهندس الانتفاضة الأولى، وإلى كل شهداء الانتفاضة الأولى والثانية.

وأنها لثورة حتى النصر

 

حركة فتح- لبنان

       مفوضية الاعلام والثقافة

9/12/2011