لكل حرب سماتها وخصائصها حتى لو كانت من ذات الطراز، بمعنى ان كانت كلاسيكية، أو حرب عصابات، أو حرب أهلية، ومن زاوية الخلفيات والأسباب، وعوامل الزمان والمكان، ومن حيث الفترة التي تستغرقها الحرب، أو من زاوية اليات إدارتها وكفاءة القيادات العسكرية هنا او هناك، على أهمية كل تلك العوامل في قراءة شروط أي حرب، وتقييم مخرجاتها وانجازاتها او اخفاقاتها وتداعياتها.

جميعها مهمة، وتحتل حيزاً هاماً في تشخيص مكانة وثقل وأثر الحرب على المستويات القومية والإقليمية والدولية.
وإذا توقفنا أمام حربي أكتوبر 1973 بين الأنظمة العربية والدولة العبرية، وحرب طوفان الأقصى (حرب الدفاع عن النفس) الجارية الان على الأرض الفلسطينية بين دولة إسرائيل الاستعمارية واذرع المقاومة الفلسطينية (أكتوبر 2023)، وحاولنا رؤية المشترك والفروق بينهما، نلحظ ان التشابه يكمن في التالي: أولا اختيار المناسبة الدينية اليهودية "عيد الغفران" ذاتها بعد خمسين عاما لشن الحرب؛ ثانيًا المبادرة العربية والفلسطينية في إشعال شرارة الحرب، وتمكن الجانبين من مفاجأة وارباك حكومات إسرائيل وقياداتها السياسية والعسكرية، إدخالها في حالة من التخبط والفوضى الدراماتيكية؛ ثالثًا اختراق الجيش المصري خط بارليف الاستراتيجي المقام على قناة السويس، وتمكن أذرع المقاومة من اختراق جدار الفصل العنصري المكهرب والمدعم بكل التكنولوجيا الحديثة من كاميرات ومجسات، والذي يرتفع سبعة أمتار، وينزل عميقًا في الأرض بنفس أمتار الارتفاع؛ رابعًا كلا الحربين حصل فيها تقصير فادح من قبل القيادات السياسية والعسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية؛ خامسًا تدخل الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي في دعم إسرائيل بكل مقومات القوة، وتأهيلها لاستعادة زمام الأمور، والحد من منسوب الهزيمة العسكرية وتداعياتها السياسية والديبلوماسية؛ سادسًا التأكيد على أن إسرائيل هي أداة وظيفية في خدمة المشروع الكولونيالي الغربي الرأسمالي؛ سابعًا إصرار الغرب بقيادة واشنطن على كسر إرادة العرب، والحؤول دون انتصارهم، والمحافظ على تسيد إسرائيل على المنطقة؛ ثامنًا خوض المفاوضات مع العرب بمن فيهم الفلسطينيين باسمها (إسرائيل) لفرض الاملاءات عليهم، وتطويعهم وفق الأجندة الأميركية.

أما إذا توقفنا أمام الفروق، فإننا نرى أنها تتمثل في النقاط الآتية: أولاً حرب أكتوبر 1973 حرب كلاسيكية خاضتها الجيوش العربي المصرية والسورية بالتعاون مع جيش التحرير وقوات الثورة الفلسطينية، في حين أن حرب أكتوبر 2023 تخوضها أذرع المقاومة الفلسطينية بامكانيات محدودة من حيث تعداد قواتها الفدائية، وقدراتها العسكرية المتواضعة في مواجهة دولة استعمارية مزنرة من رأسها إلى أخمص قدمها بالأسلحة الكلاسيكية المتطورة وأسلحة الدمار الشامل، والأسلحة النووية؛ ثانيًا حرب 1973 لم تتمكن من الوصول لأي بقعة من الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وبقي تقدم القوات محدودًا في أراضي الدول المشتركة في الحرب، حتى أن الأرض السورية المحتلة عام 1967 بقيت محتلة، ولم يتحقق أي تقدم لأسباب تتعلق بطبيعة الحرب وإدارة القيادات العسكرية والسقف السياسي المتاح لها، وكل ذلك لا ينتقص من قيمة واهمية وعظمة الإنجاز العربي الذي تحقق آنذاك.

في حين أن حرب الدفاع عن النفس الفلسطينية (السيوف الحديدية، حسب التسمية الإسرائيلية) تكمن أهميتها وإبداعها في أنها استطاعت القوات الفلسطينية من استعادة والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1948، وهي مساحة تساوي ضعفي مساحة قطاع غزة، التي تقدر ب362 كيلو متر مربع، وهو ما هز دولة إسرائيل اللقيطة من اعماقها، وكشف هزالها، وافلاس منظومتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية على الصعد كافة، والتأكيد على ان دولة المرتزقة الصهيونية لا تملك مقومات البقاء والحياة؛ ثالثًا استمرت حرب أكتوبر 1973 ثمانية عشر يومًا، حطمت فيها الجيوش العربية صورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يكسر. في حين ان حرب طوفان الأقصى مازال من السابق لاوانه تحديد مداها الزمني. لا سيما وانها مازالت في بداياتها.

لكن المؤكد قد تتجاوز أيام حرب أكتوبر 1973؛ ولم تكسر مكانة الجيش الاسرائيل، بل حطمت مكانة الدولة الإسرائيلية وهيبتها، ومرغتها في التراب؛ رابعا حرب الجيوش العربية كان تأثيرها على الداخل الإسرائيلي محدودا بالمعنى العسكري، في حين ان حرب اذرع المقاومة أصابت المجتمع الإسرائيلي في مقتل، وكبدت مدن ومستعمرات وكيبوتسات الدولة المارقة خسائر بشرية ومادية ومعنوية أضعاف ما حصل عام 1973، حيث اتسع وازداد الآن عدم اليقين في أوساط المستعمرين الصهاينة بمشروعية الدولة الصهيونية، وهذا ما سيضاعف من اعداد الهجرة العكسية من إسرائيل للخارج، وعودة الاستعماريين لأوطانهم الأم؛ خامسًا حرب طوفان الأقصى ستفتح آفاق الحل السياسي الفلسطيني الإسرائيل، وهذا لم يحدث عام 1973؛ سادسًا أجزم أن حرب الطوفان تحمل في طياتها وقف حالة التدهور والتطبيع المجانية الرسمية العربية، وتفتح الأفق أمام تحولات استراتيجية في المشهد العربي عموما، في حين أن حرب تشرين 1973 فتحت بوابة الإنهيار لحركة التحرر العربية، وتفكك المؤسسة الرسمية العربية، وقلصت إلى حد بعيد أفق التكامل العربي على الصعد كافة. وهناك فوارق أخرى سآتي عليها لاحقًا.