كيف يمكن للصوت أن يمشي على قدمين، في دروب مقامات الحجاز، والصبا، والبيات، والنهاوند، زارعًا فيها شجر الأغنية، والنشيد، لتظلل الروح، وتبعث في القلب غاية التطلع الإنساني بعالم تبني فيه الحمامة عشها مثلما تبني سيدة مقامها.

كيف يمكن للعاشقين أن يكونوا هذا الصوت، وقد اعتلى بعد مشيه في تلك الدروب عرش البوح الجليل، أقول جاء حسين منذر أبو علي فجعل ذلك ممكنا، وبنى للعاشقين بيتا مؤثثًا بهذا الصوت، الذي خاطب العالم بروح الرواية الفلسطينية، وحسها الجمالي، ونادى عليه ليشهد على بلاغة أصحابها، وعزمهم الأكيد على بلوغ سدرة المنتهى الأرضية، حيث فلسطين التي على أرضها ما يستحق الحياة.

جاء أبو علي، ورحل، لكنه سيظل يجيء صادحا في باحات الذاكرة الفلسطينية، لا كصوت ألبس الأغنية والنشيد، كوفية الثورة، وقميص الفدائي، مطرزًا بخيوط حرير الأمل، وإنما سيظل أبو علي كفكرة جمالية ستعمل دائما على جعل التاريخ ممكنًا في أغنية، والواقع ممكنًا في التنور والتحرر والتطلع الإنساني بعيدًا عن ثرثرة البلاغ الحزبي التي باتت كثيرة الزعيق والإزعاج.

أبو علي وكما جاء في نعي الرئيس أبو مازن له "هو الذي حول بأغانيه وأناشيده الوطنية، تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، ومعاركها وبطولاتها إلى صورة حية" ولهذا سيظل أبو علي هذه الفكرة، وهذه الأيقونة، وسيغنيها العاشقون قطعًا حتى يقيموا دولتهم التي قال عنها محمود درويش دولة العشاق التي ستقوم على حجر.

حسين منذر أبو علي، لك هذا المقام في الذاكرة الوطنية خالدًا فيه أغنية لا ترفع غير اسم فلسطين عاليًا.