فلسطين وشعبها كانت وما زالت وستبقى أحد عناوين العروبة، ورافعة من روافع القومية العربية، ولن تتخلى عن هويتها القومية، ولا عن جماهير الأمة والشعوب والإثنيات المنغرسة في تربة الوطن العربي الكبير، الذين كانوا جزءا من نسيج شعوب الأمة، وعنوانا من عناوينها، ورديفا قويا في بنيانها، ولهم ما لشعوب الأمة، وعليهم ما عليها. تآزروا عبر التاريخ في الدفاع عن حياض الوطن العربي، وساهموا في حروب شعوبها الوطنية والقومية، وكانوا إضافة نوعية في إغناء الملامح الثقافة، وعززوا التسامح والتكامل والتعاضد فيما بينهم، وساهموا مساهمة قوية ضمن قدراتهم وإمكانياتهم في بناء الدول الوطنية.
ولا أضيف جديدا عندما أؤكد، أن قضية فلسطين ستبقى قضية العرب المركزية، رغم تراجع وانكفاء البعض من أهل النظام الرسمي العربي، وساهم الأشقاء العرب على مدار التاريخ بمختلف انتماءاتهم ودياناتهم وطوائفهم ومذاهبهم وخلفياتهم الفكرية والعقائدية في الدفاع عن فلسطين وقضيتها وحقوق وأهداف شعبها، وإن كان بعض أهل النظام العربي تواطأوا على الشعب والقضية الفلسطينية. إلا أن الجماهير العربية من مختلف الأقطار لم تتخلَ عن فلسطين، وكان مونديال الدوحة نهاية 2022 خير دليل وبرهان على عظمة تضامن وتكافل شعوب الأمة مع الشعب الفلسطيني، وحاصروا إسرائيل وكل من دافع عنها، وفي كل المناسبات التي تستشعر فيها الشعوب العربية التضامن ودعم كفاح الشعب الفلسطيني، لم يبخلوا، أو يترددوا في احتضان ودعم قضيتهم، قضية العرب المركزية، في الحرب والسلام، وخاصة دول الطوق العربية وتحديدا مصر الشقيقة الكبرى، التي تحملت عبئا مركزيا، وفي الرياضة، وفي الملمات وجرائم الحرب الإسرائيلية، وفي المحافل الدولية والإقليمية والإسلامية وعدم الانحياز والقمم الأفريقية والآسيوية واللاتينية الأميركية والأنشطة والفعاليات داخل أوروبا الغربية والشرقية وفي الولايات المتحدة، وحيثما استدعت الضرورة كانت شعوب الأمة والشعوب المتوطنة فيها في مقدمة المتضامنين والداعمين بلا شروط لفلسطين وشعبها.
كما أن فلسطين تاريخيا لم تبخل يوما على اشقائها، وكان شعبها المنكوب بنكبة إسرائيل اللقيطة، ومشروعها الإجلائي الإحلالي، وهو يئن تحت جراح ومصائب الاستعمار الصهيوإمبريالي يدافع ويتضامن مع أشقائه العرب ومع شعوب الأرض قاطبة. لكن الأولوية كانت لبني جلدته. ولم يتخلَ، ولم تثنه المصائب. لأن قياداته عبر التاريخ أدركت أن الحاضنة الاستراتيجية لفلسطين، هي أولا شعوب الأمة العربية، فرسان القومية العربية بمختلف تياراتهم ومشاربهم الفكرية والدينية، بما في ذلك أتباع الإثنيات المتوطنة والمتجذرة في الوطن العربي الكبير، من الأشقاء الكرد والأمازيغ والتركمان والإيزيديين والآشوريين، ودون تمييز في الدين والطائفة والمذهب والمعتقد.
واليوم الثلاثاء الموافق 19 أيلول / سبتمبر الحالي تقف فلسطين بقيادتها ومؤسساتها الوطنية الممثلة بمفوضية العلاقات العربية والصين التابعة لحركة فتح، والأطر القومية: المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر الشعبي العربي، ومجموعة السلام العربية وجمعيتا الصداقة الفلسطينية الليبية والمغربية إلى جانب أشقائهم في ليبيا والمغرب ليتقبلوا العزاء بضحايا الزلزال والإعصار، الذين تعرضوا لمصاب جلل نتاج زلزال مراكش الذي حصل مساء السبت الموافق 9 أيلول / سبتمبر الحالي، وأودى بحياة قرابة (3000) آلاف مواطن، وإصابة ما يزيد عن (6000) مواطن، بالإضافة لتدمير العديد من القرى والبنى التحتية، وإعصار "دانيال" التدميري الذي حصل مساء الأحد 10 أيلول / سبتمبر الحالي، وضرب شرق ليبيا في مقتل، ونجم عنه سقوط عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين، مدينة درنة وحدها فقدت من أبنائها ما يزيد عن (11000) مواطن، وكذلك منطقة الجبل الأخضر كلها بما فيها مدينة البيضاء والمرج وسوسة، وحتى مركز المنطقة الشرقية بنغازي تعرضت لأضرار كبيرة وجسيمة، وحسب الأمم المتحدة والمختصين الاقتصاديين تحتاج ليبيا إلى (7) مليارات دولار أميركي لإعادة إعمار ما هدمه ودمره الإعصار والفيضانات المرعبة، وشرد عشرات الآلاف، ودمر البنى التحتية من طرق وجسور وسدود وكهرباء ومياه ومراكز عمرانية.
وكانت فلسطين أرسلت فريقا من الدفاع المدني لليبيا الشقيقة للمساعدة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ضحايا الإعصار. لا سيما أن المغرب الشقيقة حصرت قبول المساعدات بعدد محدود من الدول. وبرأيي أهم درس للأشقاء الليبيين، الذي يفترض أن يستخلصوه من مصيبة وهول الإعصار، هو العودة لطريق الوحدة الوطنية، وترميم الجسور بين القوى المختلفة، ونبذ الحرب والإرهاب والعنف، وإعادة الاعتبار لليبيا العربية الواحدة الموحدة بجيش واحد، ونظام سياسي واحد، وحكومة واحدة وقانون واحد ونظام تربوي واحد، والتخلص من كل ما يعيق وحدتهم.
في كل الأحوال فلسطين قيادة وشعبا وحكومة ونخبا وفصائل، كما وقفت تاريخيا مع أشقائها، وتجدد اليوم وقفتها التساندية والتعاضدية مع أشقائها في المغرب وليبيا. لأن مصابهم مصاب الشعب الفلسطيني، وجرحهم جرح كل فلسطيني، وألمهم ألم فلسطين، ونجاحهم نجاح لفلسطين. وستبقى فلسطين أبد الدهر عنوانا للتضامن مع كل الأشقاء العرب دون استثناء، ودون تمييز، ودون حسابات صغيرة، ورديفا قويا للعرب والإثنيات المتوطنة في الوطن العربي الكبير.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها