بقلم: إيهاب الريماوي

وقع نبأ استشهاد الطفل ميلاد الراعي كالصاعقة على مخيم العروب شمال الخليل، حتى أن جدته "أم حاتم" والمعروفة بحبها الكبير له وصفت رحيل حفيدها بـ"الشجرة التي قطعت من جذورها"، فهي التي ربته مذ كان يبلغ من العمر عامًا ونصف، فكان يناديها بـ"يمّا"، وعلاقتهما كانت على هذا الأساس.

قال والده منذر الراعي في زحمة المشيعيّن، وفي وسط الذكريات المستعجلة التي تتراشقها الذاكرة المضطربة بالفقد: "سطح قلبي".

وباستشهاد الطفل ميلاد الراعي (16 عاماً) فقد المخيم صوتًا جميلاً ودافئًا، يحب أن يغني للوطن، والمستقبل، والأمل، وفتى جريئًا، ومحبوبًا، واجتماعيًا لأبعد حدود، يخلق جوًا من الفرح والسعادة في البيت والعائلة والمخيم.

سار ميلاد، طالب الصف العاشر بمدرسة العروب الثانوية للبنين، والأوسط بين أشقائه، على خطى والده الفنان الموسيقي منذر الراعي، فكان شغوفاً بالغناء، خاصة أغاني الوطن والعودة، والأطفال، ورغم صغر سنه، كان يحلم بتحرير فلسطين، وأن يعود اللاجئون لبيوتهم.

ضيق المكان وكثافة الناس والبيوت في المخيم، انعكس على كلمات ميلاد في غنائه للراب الذي يتحدث فيه عن حياته اليومية مع الاحتلال، التي أنهتها رصاصة قناص إسرائيلي، اخترقت ظهره، ارتقى على أثرها بعد ساعات متأثراً بجروحه الخطيرة.

نسف ذلك الضيق أي مساحة للعب والتنزه عند الأطفال، فكان ملعب ميلاد وأصدقاؤه هو الشارع، وهذا لم يمنعه من ممارسة كرة القدم يومياً في منطقة خطيرة، وعلى بعد مسافة أمتار قليلة من البرج العسكري لجيش الاحتلال الإسرائيلي الواقع على مدخل المخيم، فميلاد كان يطمح إلى احتراف كرة القدم، ومغرماً بنادي "ريال مدريد" الاسباني، ويحلم بزيارة ملعبه وحضور مباراة فيه.

وقال الباحث في الشأن الإسرائيلي بالمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية مدار عبد القادر البدوي: "ذاكرتنا ارتبطت بصورته، وهو يجلس في الحارة مع أبناء جيله، الذين نقصوا واحدًا، كان جزءًا من تلك الحارة القريبة من المركز النسوي وروضة وحضانة الأطفال، لا يمر أحد من الشارع الرئيس دون أن يرى ميلاد، مع أصدقائه، أو يلعب كرة القدم".

ومنذ بداية العام الجاري استشهد 47 طفلاُ برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، في حين قتل الاحتلال 53 طفلاً خلال العام الماضي في الضفة، وقطاع غزة.

وتؤكد الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أن قوات الاحتلال تتعمد بشكل روتيني استخدام القوة المفرطة والمميتة ضد الأطفال، وفق التحقيقات والأدلة التي جمعتها من الميدان.

وتشير إلى أن استمرار الاحتلال في جرائمه ضد المواطنين، خاصة الأطفال، ما كان ليحدث لولا سياسة الإفلات من العقاب التي تترافق مع الحماية والحصانة من المساءلة التي تتمتع بها، مبينة أن ارتفاع عدد الأطفال الذين قتلوا على أيدي الاحتلال جاء نتيجة تكثيف عمليات الاعتقال والتوغل في المدن والقرى والمخيمات بالضفة.

ولفتت "الحركة العالمية" إلى أن سلطات الاحتلال ملزمة وفق القانون الدولي بفتح تحقيق في الجرائم التي ترتكبها قواتها ومساءلة مرتكبيها، إلا أنها لا تبذل أي جهد للتحقيق بشكل محايد أو ضمان أن جنودها يتصرفون وفقًا للمعايير الدولية، بل توفر الحماية والحصانة لهم، الأمر الذي يشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الأطفال.

وأقيم مخيم "العروب" مسقط رأس الشهيد، عام 1949 في منطقة "وادي الصقيع"، شمال الخليل، ويحده من الشمال قرية بيت فجَّار، وعين العروب؛ ومن الشرق أراضي بلدتي سعير، والشيوخ؛ ومن الجنوب أراضي بلدة حلحول؛ ومن الغرب بيت أُمَّر، وبلغت مساحته عند انشائه حوالي 258 دونماً، تقلصت إلى 238 دونماً، وحسب تقديرات "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يبلغ عدد سكانه في منتصف العام 2023 نحو 10339 لاجئ، وتنحدر أصول سكانه من 33 قرية تابعة للرملة والخليل وغزة.