عبير البرغوثي 

كل يوم نشهد حكاية حلم وتحد تشق طريقها بإرادة وتصميم لتكسر سكون القبول بالأمر الواقع، من بين هؤلاء، الفتاة نورهان العطيات (23 عامًا) من مدينة بيت لحم التي سجلت قصة نجاح، واجهت بها تحديات المجتمع ومعيقاته؛ حين قررت الانضمام إلى الدفاع المدني، لتبدأ مسيرة غير اعتيادية بعد خضوعها لتدريبات تمحورت حول كيفية التدخل السريع في عمليات الإنقاذ في حال حصول كوارث أو حوادث كبرى.

في الوقت الذي انحصرت فيه مهام العاملة في الدفاع المدني بالخدمات المدنية، كسرت نورهان حاجز الرهبة والخوف، وغيرت النهج والطريق، لتصبح أنموذجًا يحتذى به.

في حوارنا معها ذكرتنا نورهان العطيات بأن المرأة الفلسطينية خُلقت لتكون فارسة ورائدة في مختلف الميادين.

بكلماتٍ فيها كثير من التفاؤل الممزوج بالتحدي، بدأت نورهان حديثها إلينا بقولها: "حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب، هذا مبدئي في الحياة، أحب هذا العمل جدًا لدرجة لا توصف ومقتنعة به تمامًا، حتى لو عملت 24 ساعة في هذا المجال فسأكون سعيدة".

وخلال لقائنا استذكرت البدايات: "الشغف والطموح والتحدي، كانت بمثابة الحافز والبوصلة لي منذ الصغر، مذ كنت طالبة في المدرسة كنت أهتم جدًا بالتواجد في فعاليات ومحاضرات التوعية التي تنظمها الشرطة وجهاز الدفاع المدني في المدرسة، وكل أمنيتي أن أكون منهم في المستقبل. وأقول: "متى رح أكون مثلهم"؟!، وضعت طاقتي وشغفي لتحقيق هذا الحلم، وبدأت بالبحث عن كل المعلومات التي تخص الدفاع المدني.

الطريق طويل بين الحلم وتحقيقه على أرض الواقع، أمور كثيرة تلعب دورًا في التأثير الإيجابي أو السلبي، ومع مغريات وظروف وتحديات الحياة، قد تتغير الأولويات، لكن في حالة نورهان، بقي الإصرار وبقيت العزيمة.

تكمل قصتها: "رغم أن كل من حولي توقعوا أن تتغير اهتماماتي لاحقًا، إلا أنني كنت أصر على رأيي من مرحلة المدرسة وحتى تخرجي من جامعة الاستقلال 2020 وانضمامي للجهاز".

تقول نورهان: "لا نجاح دون بيئة أسرية واجتماعية حاضنة، فمهما كان الحلم ومهما كانت غاياته، يتطلب الدعم والمساندة وقبل ذلك التفهم من المحيط والمجتمع، وهذا ما سهل عليّ الطريق رغم خصوصية الهدف والحلم وبعده عن المجالات التي تهتم بها النساء والفتيات في عمري بشكل عام، تلقيت الدعم من جميع أفراد عائلتي، إلى جانب دعم ومساندة الجهاز وكل من فيه وعلى رأسهم اللواء إبراهيم العبد، وأتاحة الفرصة لي لمشاركة زملائي الشباب في الحوادث مثل إطفاء الحرائق الخطرة، حيث إنني في السنوات الأولى من التحاقي بالجهاز كنت أعمل في الجانب الإداري وتفتيشات السلامة العامة فقط، صراحة لم نكن نتوقع أن يكون هناك صدى كبير وضجة في المجتمع حول انضمامي للجهاز، بالنسبة لي هو حلم وحققته، لكن ما أثار الضجة ان مجتمعنا يعتقد أن العمل في جهاز الدفاع المدني حكر على الرجال، ورغم ذلك وحتى في خضم شعوري بالتعب أو الارهاق وعندما يدق جرس المهمة فإنني أنسى كل التعب والانتقاد والعقبات ويصبح هدفي الاول حماية المواطنين".

وأضافت نورهان: "الطريق لتحقيق أحلامنا ليس مفروشًا بالتسهيلات في أحيان كثيرة، بل هي رحلة صعود نحو القمة، وفي تجربتي هناك من كان يقول لي إن الشغف لدي في العمل في جهاز الدفاع المدني، شغف مؤقت سينتهي بانتهاء فترة العزوبية والانتقال للحياة الزوجية، ودائمًا ما أسمع: أنت بنت كيف ستتحملين هيك شغل؟، وأنا أقول لهم: حتى لو تزوجت سأستمر في عملي، المرأة الفلسطينية وعلى مختلف مراحل النضال الوطني والتاريخي كانت في مقدمة صفوف المواجهة، وبالتالي فإنه ليس صعبًا عليها أن تكون في أي مجال أو قطاع في الحياة، حتى في خضم شعوري بالتعب أو الارهاق وعندما يدق جرس المهمة فإنني أنسى كل التعب ويصبح هدفي الاول حماية المواطنين".

وعرفت نورهان نقاط قوتها ومدى قدرتها على الخوض في تجارب جديدة لتكون من خلالها نموذجًا إيجابيًا وقدوة حسنة يقتدى بها.

وتابعت نورهان: "طبيعة مهامي في جهاز الدفاع المدني تتلخص بوجودي في قسم التدريب، أشارك في إجراء تدريبات في مؤسسات محلية ومدارس وحتى رياض الأطفال وتدريبهم على كيفية التعامل مع الحدث وكيفية الوقاية قبل وصول فريق الدفاع المدني الى مقر الحدث، كما اشارك في التدريبات للأفراد في مراكز الدفاع المدني في حوسان والعبيدية وبيت لحم، كما أعمل في قسم الإطفاء، ومنحني رئيس الجهاز اللواء إبراهيم العبد فرصة الانضمام لفريق البحث والانقاذ الدولي الفلسطيني كأول فتاة فلسطينية تشارك في هذا الفريق".

وتضيف: "كما شاركت في عمليات محاكاة لأية كوارث طبيعية قد تحدث في فلسطين، وكنت أول فتاة تشارك في هذه العمليات وكان أولها في مدينة أريحا وكانت محاكاة لكارثة الزلازل".

وتقول: "حب المعرفة والاطلاع جعلاني ألتحق بفريق الجهاز لاصطياد الأفاعي التي يتم الإبلاغ عن تواجدها في المنازل والمحلات وتشكل خطرًا على الأفراد، ومع التدريب المتواصل تكونت لدي خبرة في عملية التعامل مع الأفاعي وكيفية اصطيادها ودرجة السم الموجودة فيها".

وتؤكد وجود المرأة في جهاز الدفاع المدني مهم جدًا، خاصة في الحالات التي تتواجد فيها النساء في المنازل التي تتعرض لحرائق أو أي حدث من أي نوع، حيث إن وجود المرأة في الجهاز يساعد على التعامل مع النساء في مكان الحدث، وأيضًا المشاركة في عمليات التحقيق وجمع المعلومات عن أسباب الحريق، حيث تكون سيدة المنزل مرتاحة أكثر في الحديث مع امرأة من الجهاز أكثر من الحديث مع رجل.

وختم بتوجيه رسالة لكل الشابات والشباب، قالت فيها: "اسعوا خلف تحقيق أحلامكم مهما كانت بسيطة، ولا تستسلموا، وإحساسي بانجاز هذا الحلم دفعني للتقدم خطوة للأمام نحو التحضير للحصول على رخصة قيادة مركبة دفاع مدني، وبدأتها بالبحث عبر قناة اليوتيوب عن أجهزة الدفاع المدني في الوطن العربي، حيث وجدت أنه لا يوجد فتاة تعمل في جهاز الدفاع المدني حتى اليوم تمتلك رخصة قيادة مركبة دفاع مدني، ومن هنا اتخذت قراري بأخذ الرخصة بدعم سيادة اللواء الذي شجعني على مباشرة هذه الخطوة".