لن ينسى الفلسطينيون صحيفة السفير اللبنانية التي توقفت عن الصدور عام 2016، لأنها ودون أن نبحث الآن في أسباب توقفها، كانت وعلى نحو أمين، صحيفة القضية الفلسطينية، بروح لبنان، وأصالته العربية، حتى كتب طلال سلمان الذي رحل عنا يوم أمس، مقالته الفريدة من نوعها، التي حملت عنوان "الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط" والتي قال الفقيد الكبير فيها: "لم يبدأ الازدهار اللبناني فعلا إلا بعد نكبة فلسطين عام 1948". وعدد في مقالته  الكثير من  أسماء الفلسطينيين، الذين كان لهم شأن كبير في الازدهار اللبناني الاقتصادي، والخدمي، والثقافي، والفني، والموسيقي، ومن يريد أن يعرف هذه الأسماء، وما الذي أسسته في لبنان من بيئة، وواقع عمل، وازدهار، وفن، وثقافة، عليه أن يراجع مقالة سلمان فما زالت في أرشيف محرك البحث "غوغل".


بهذه المقالة وغيرها من مقالاته التي كان يفتتح بها الصفحة الأولى في صحيفته، كان طلال سلمان يؤكد صواب كلمته العربية، التي لا تهادن الخطأ، وتقاوم الخطيئة، وهي تجسد انحيازها المطلق لقضايا الحق والعدل والسلام إن كانت وطنية، أو قومية، أو عالمية.


ونعتقد، وربما جازمين، أن الراحل العزيز طلال سلمان كان بإمكانه أن يساوم شروط التمويل، لكنه ما ذهب إلى هذا المذهب لأن "السفير" حينها لن تكون صوت الذين لا صوت لهم، كما كانت تكتب من لافتة تحت اسمها في صفحتها الأولى.


وفي إعلانه عن أن الصحيفة، وموقعها الإلكتروني، سيتوقفان نهائيا عن الصدور، قال سلمان إن ذلك بسبب تراجع عائدات الإعلانات والانقسامات الطائفية، والمذهبية، التي يعاني منها لبنان، وكذلك العديد من الدول العربية، وفي اتصال له مع وكالة "رويترز" قال وبوضوح بليغ: "أصبحنا في زمن آخر.. أليس كذلك"..!!!


هو الزمن الآخر إذا، هذا الذي باتت فيه لغة التسطيح والتخلف والخرافة، هي التي تحث الخطى نحو سدة المشهد العربي، وثمة تمويل فاره، يدعم خطاها، في قنوات فضائية، ومواقع إلكترونية، وصحف كثيرة، حتى بات الإسفاف، والتطاول على ما تبقى من قامات عالية، حاضرًا حتى في حوارات بعض النخب، وعلى الملأ بشجارات معيبة..!!!


نؤمن ونثق أن الكلمة الصادقة الأمينة لن تموت، ورحيل بعض فرسانها، هو الذي سيحرض على علو كعبها دائمًا، حين لا ننسى هؤلاء الفرسان، ولن ننساهم أبدًا، وهذا ما نبعث به إلى طلال سلمان، وقد بات روحا سابحة في ملكوت العلي القدير. لتنام الروح إن كانت تنام، لتنام قريرة العين، ونبعث به إلى أهله، وذويه، ومحبيه، عزاء ومواساة.


وداعًا طلال سلمان.. نحن على العهد باقون، مع الكلمة الأمينة، والموقف الشجاع، كما كنت على الدوام… وداعًا.