أحيا أهالي قرية إقرث الفلسطينية المهجّرة، داخل أراضي الـ48، يوم "الجمعة العظيمة" وسط أنقاض بيوتهم بعد عقود على إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على تدميرها.

وسط أزهار الربيع ورائحة البخور، وفيما راح الناس يضعون الزهور على القبور، قال الأب سهيل خوري "أتينا في يوم الجمعة العظيمة لنصلي إيمانا برجاء القيامة".

وأضاف: "نحن نريد العودة إلى بلدتنا إقرث، لكن الطريقة الوحيدة المسموح لنا بأن نرجع فيها هي ونحن أموات".

الكنيسة والمقبرة هي كل ما تبقى من القرية المسيحية الواقعة في الجليل الغربي والتي دمرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في 1951.

لم يهرب أهالي إقرث من قريتهم خلال النكبة عام 1948، ولكن في تشرين الثاني/نوفمبر من تلك السنة، طلب منهم جيش الاحتلال الإسرائيلي مغادرة القرية ونقلهم في شاحنات الى قرية الرامة على أن يعودوا إلى قريتهم بعد أسبوعين، إلا أن الاحتلال نكث بوعده.

وقدّم أهالي إقرث التماسا إلى "المحكمة العليا الإسرائيلية"، وحصلوا على قرار في 31 تموز/يوليو 1951 يخولهم العودة الى بيوتهم. لكن حكومة الاحتلال لم تنفذ قرار المحكمة وقام جيشها عشية عيد الميلاد في 24 كانون الأول/ديسمبر عام 1951، بهدم القرية التي ما زالت حجارة منازلها متناثرة وسط العشب والزهور الصفراء عبر المساحات الطبيعية.

وقال الأب سهيل خوري "نحن موجودون هنا، مواطنون في هذه البلاد لكننا لاجئون في وطننا... نأمل أن تعود العدالة للإنسان في إقرث وأن يرجع سكانها إلى أرضهم وبلدتهم وبيوتهم".

وترأس الأب خوري صلاة شارك فيها عشرات من الصغار والكبار بين قبور عائلاتهم. وسرت مخاوف وشكوك من ألا تقام الصلاة بسبب التوتر على الحدود مع لبنان.

وقال زياد حنا المتخصص في علوم الحاسوب "وضعنا خوفنا جانبا... مررنا بموقف حساس للغاية... لكن غالبية الناس قرروا الحضور لأداء الصلاة ولكي يلتقوا ويواصلوا هذا التقليد".

وأضاف لوكالة الأنباء الفرنسية "نشعر بالفخر لكوننا جزءًا من قريتنا وتراثنا".

ودُمرت مئات القرى الفلسطينية خلال النكبة التي هجّر خلالها أكثر من 760 ألف فلسطيني من منازلهم في عام 1948. ووثق الباحث الأكاديمي الفلسطيني وليد الخالدي أكثر من 400 قرية مدمرة أو مهجرة، بينما سجلت منظمة زوخروت (ذاكرات) الإسرائيلية أكثر من 600 بلدة واجهت هذا المصير.

لكن الاعتراف بذلك ما زال "مرفوضًا بشدة حتى الآن" في إسرائيل، كما قالت راشيل بيتاري مديرة المنظمة التي تعمل على زيادة مستوى الوعي بأحداث النكبة.

قالت بيتاري عن القرى المدمرة "بمجرد أن نرى هذا، لا يمكننا أن نتجاهل ما حدث. البقايا ظاهرة في كل مكان".

بعد أن فشلوا مرارًا في الحصول على قرار قضائي من المحاكم الإسرائيلية يمكّنهم من العودة إلى قريتهم، يتوجه أحفاد مَن هُجروا من إقرث إليها للاحتفال بالأعياد المسيحية وإقامة حفلات الزفاف وتشييع الموتى ودفنهم.

رنين عطا الله (45 سنة) التي جاءت إلى قريتها في يوم الجمعة العظيمة هي من بين أولئك الذين خيموا بجانب الكنيسة.

قالت رنين العاملة في مجال التربية ولها أشعار عن إقرث "آتي دائمًا إلى هنا مع أهالي القرية. نحضر الطعام وننام هنا ونتجول ونكتشف أشياء جديدة ونستعيد تاريخنا".

 

وفي حين أدى أهالي إقرث صلاة الجمعة العظيمة، شارك أبناء شعبنا المسيحيون والآلاف من الحجاج الأجانب، الجمعة، في مسيرة "درب الصليب" في القدس عبر البلدة القديمة.

وكان رؤساء الكنائس المسيحية حذروا في رسالة الفصح من أن يصبح المسيحيون "أهدافًا لهجمات" عدائية، عقب جملة من الاعتداءات التي نفذها المستوطنون على الكنائس ورجال الدين في الأشهر الأخيرة.

وقال النائب البطريركي للروم الملكيين الكاثوليك في القدس المطران ياسر عياش، الكنيسة التي ينتمي إليها أهالي إقرث، لوكالة الأنباء الفرنسية "إن القادة المسيحيين يحاولون دعم مجتمعاتهم في مواجهة مثل هذه التحديات".

وقال في القدس "علينا أن نواصل تقاليدنا لأنها تعبر عن إيماننا. إنه جزء من إيماننا وجزء من الحياة التقليدية للكنيسة هنا في القدس في الأرض المقدسة".

ويبقى أهالي إقرث مصممين على الاحتفال بعيد الفصح كل عام. وقال الأب سهيل خوري "نعمل اليوم على إبقاء الناس على تواصل وعلى أن يلتقوا في أرضهم إلى أن يعودوا يوما إلى بيوتهم ويعيدون بناءها... واليوم، الكنيسة هي التي تجمعهم وهي منزل الجميع".

وحصل أهالي القرية في سبعينيات القرن الماضي بعد سنوات طويلة من التقاضي على حق إصلاح الكنيسة ودفن أمواتهم في مقبرتها. ومن ثم باتوا يزورون المقبرة في كل يوم جمعة عظيمة ويضعون الزهور على القبور ويقيمون صلاة عيد الفصح في كنيستها.