للمرة المليون قلنا، وقال غيرنا ذلك، أن القيادات الصهيونية وسادتهم في دول الغرب الرأسمالي عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا لا عهود لهم، ولا مصداقية عندهم، ولا وفاء بالالتزامات القانونية، ويقولون ما لا يقصدون، ويعتبرون قادة وشعوب العالم مجرد عبيد، وخدم لتنفيذ أهدافهم ومصالحهم. وعندما تنتهي مهمة هذا القائد أو ذاك المسؤول، أو باتوا يشكلون عبئًا عليهم، يلقون به لقمة سائغة لشعوبهم، بعد التحريض عليهم، وكشف العديد من ملفاتهم الفضائحية وأرصدتهم وحساباتهم بهدف التشهير بهم، وطردهم، أو قتلهم، أو اعتقالهم كمجرمي حرب في بلدانهم. 


ما تقدم له عميق العلاقة بجريمة الحرب التي ارتكبها الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية الأخرى أمس الأربعاء الموافق 22/2 الحالي في وسط مدينة نابلس في حارة الشيخ مسلم على أطراف البلدة القديمة، حيث حاصرت منزلاً في وضح النهار ما بين التاسعة صباحًا والواحدة ظهرًا وسط إطلاق نار كثيف على المارة، وأطلقت صاروخ على المنزل المستهدف، نجم عن ذلك استشهاد عشرة من أبناء الشعب العزل، بينهم أطفال وكبار سن، بالإضافة إلى 102 جريحًا، ستة إصابات منهم خطرة، ومئات من المواطنين أصيبوا بالاختناق من قنابل الغاز. 


هذا وأكد مدير الإسعاف والطوارىء في الهلال الأحمر في نابلس، أحمد جبريل، بأن قوات الموت الإسرائيلية منعت الطواقم الطبية من الوصول إلى المكان المحاصر في حارة الشيخ مسلم الآمنة، مما ضاعف من عدد الشهداء. وهذه هي سياسة جيش الجريمة والإرهاب المنظم الإسرائيلي. لأنه في كل عملية اقتحام، أو اجتياح يأتِ ليقتل أكبر عدد من الأبرياء من أبناء الشعب العربي الفلسطيني. وحسب البيان الصادر عن الجيش الإسرائيلي وجهاز "الشباك" وحرس الحدود في اعقاب جريمة الحرب الجديدة أمس، قال: أنه إغتال ثلاثة مما وصفهم ب"المطلوبين"، والحقيقة الماثلة للعيان، أنه إغتال عشرة من كبار السن والأطفال والشباب، وأصاب أكثر من (100) من المواطنين الأبرياء بالرصاص الحي وقنابل الغاز ونتاج الصاروخ الذي أطلقه على المنزل المحاصر في حارة الشيخ مسلم. وهو ما يفضح أكاذيبهم، ويعري بياناتهم المزورة، ويؤكد أنه استهدف المواطنين الفلسطينيين جميعًا في الحارة، وقام عن سابق تصميم وإصرار باطلاق الرصاص الحي والصواريخ والقنابل لمضاعفة عدد الضحايا الأبرياء. 


ولم تكتف المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية الإجرامية بالكذب في تحديد عدد الشهداء، إنما لفقت أكاذيب وتزوير للحقائق بشأن من استهدفتهم، حيث زعم البيان، أن المستهدفين الثلاثة (حسام اسليم، ووليد الدخيل، ومحمد عبد الغني) قاموا خلال الفترة الماضية باطلاق نار خلال الشهور الماضية، قتل جندي إسرائيلي خلالها. وتابع مزورا الحقائق، إنهم يخططون لتنفيذ عمليات إطلاق نار أخرى. 


وسأفترض أنهم أطلقوا النار، هل الرد يكون بإعدامهم، وإعدام أضعافهم، وإصابة العشرات بالرصاص الحي، أم يفترض اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة. رغم أن ذلك يتناقض مع القوانين والأعراف الدولية، وحق الشعب العربي الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل أشكال المقاومة وفق القرار الدولي 3236 الصادر في 1974؟ لكن النظرية الأمنية الإسرائيلية تبيح القتل لمجر القتل للفلسطيني أي كانت صفته وعمره وجنسه وديانته أو مكان إقامته، وعلى الخلفية الوطنية والقومية، أي على أساس التطهير العرقي والعنصرية الصهيونية المتوحشة، وانطلاقاً من أن الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة تشكل لها الغطاء والحامي من ملاحقة الهيئات الأممية، ونتاج ضعف وتهافت الغالبية العظمى من أهل النظام الرسمي العربي. 


وعملية نابلس الإرهابية الوحشية جاءت ردًا على تعهدات إدارة بايدن الكاذبة، وعلى بيان مجلس الأمن الصادر يوم الإثنين الماضي الموافق 20 فبراير الحالي، الذي لم يجف حبره بعد، وهذا دليل على عدم التزام حكومة الفاشيين الجديدة بقيادة ملك الفساد نتنياهو باي تفاهمات، ولقناعة راسخة لديها، أن الإدارة الأميركية تقف خلفها، وتدعمها، ولن تسمح بملاحقة مجرمي حربها في المنابر الدولية، وأيضًا استخفاف بالقيادة الفلسطينية، وعدم التعامل معها بندية، ونقض كل الاتفاقات المبرمة معها، ومواصلة سياسة الغطرسة والاستعلاء والعنصرية والقتل والجريمة المنظمة لتطويع القيادة والشعب وفق معايير وأهداف المشروع الكولونيالي الصهيوني الإجلائي الإحلالي. 


وهذا يتطلب مجددًا من القيادة الفلسطينية أولاً التوقف مرة وإلى الأبد في الرهان على الإدارة الأميركية وتعهداتها وعلى ربيتها دولة التطهير العرقي الصهيونية؛ ثانيًا للمناورة السياسية حدود وسقف، على صانع القرار أن يحدد سقفًا للمساومة؛ ثالثًا الانتباه العميق لما حملته التفاهمات مع وزير خارجية أميركا، بلينكن، التي دست السم في العسل، وخاصة ما يتعلق بلمف المناضلين في جنين ونابلس؛ رابعًا الالتزام في تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي دون تردد او انتظار؛ خامسًا الذهاب للوحدة الوطنية؛ سادسًا تصعيد المقاومة الشعبية الشاملة في كل فلسطين المحتلة؛ سابعًا الضغط على العالم لتأمين الحماية الدولية للشعب العربي الفلسطيني في كل المدن والقرى والمخيمات والخرب دون استثناء وفي المقدمة منها في القدس العاصمة الأبدية؛ ثامنًا ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة أمام المحاكم الأممية وخاصة محكمة الجنائية الدولية؛ تاسعًا العمل مع القوى الدولية الفاعلة لعقد مؤتمر دولي للسلام، وإزالة الاستعمار الإسرائيلي عن كل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة في حزيران 19676بجدول زمني محدد. والأهم استخلاص الدروس والعبر من المجزرة الوحشية الجديدة في نابلس.