عشية الذكرى السنوية الأولى لحرب الغرب بزعامة الولايات المتحدة بالوكالة في أوكرانيا، زار الرئيس الأميركي جو بايدن كييف والتقى أول أمس الإثنين الموافق 20 فبراير الحالي الرئيس فولاديمير زيلينسكي مؤكدًا وقوف بلاده ودول أوروبا الغربية إلى جانبه، وتقديم كل الدعم العسكري والمالي له حتى هزيمة روسيا الاتحادية، وتفكيكها والسيطرة على منشآتها النووية. كما ذكر الرئيس الروسي أمس الثلاثاء الموافق 21 فبراير الحالي امام الجمعية الفيدرالية الروسية في خطابه السنوي، وحسبه في مداخلته التي استمرت ساعتين، اعد الغرب أوكرانيا للحرب قبل نشوبها، وقدم لها حتى الآن 150 مليار دولار أميركي لتحقيق الهدف المذكور أنفًا. 

وكانت زيارة رئيس الإدارة الأميركية تتويجًا لزيارات معظم قادة أوروبا الغربية ورئاسة الاتحاد الأوروبي وقيادة حلف الناتو لأوكرانيا، الذين أكدوا مساندتهم اللا مشروطة للرئيس زيلينسكي ونظامه السياسي، وسددوا الاستحقاقات المطلوبة منهم حتى الآن. لا سيما وأن الرئيس الأوكراني قَبلْ أن تكون بلاده رأس حربة ضد روسيا الاتحادية في حرب الخاسر الأكبر فيها أوكرانيا. لأنها، أولاً ليست حربها؛ ثانيًا هي حرب بالوكالة عن الغرب الرأسمالي بزعامة أميركا؛ ثالثًا بكل المعايير العسكرية والاقتصادية والمالية، ورغم دعم مشعلوا الحرب بزعامة أميركا العسكري والمالي، لا يمكن أن تكون ندًا للدب الروسي؛ رابعًا فتح الكرملين الباب واسعًا أمام تطوير قوته النووية، بعدما علق أمس العمل بمعاهدة ستارت للحد من الأسلحة الاستراتيجية.

وكما ذكرت فيما سبق حول الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية، ووفق ما أكد بوتين مرارًا في تصريحاته وخطاباته وآخرها أمس، من المستحيل هزيمة روسيا في ميدان المعركة. لأنها تملك القوة العسكرية التكتيكية والاستراتيجية لهزيمة الغرب، واقتصاد بلاده رغم العقوبات غير المسبوقة التي فرضها أعداءها عليها مازال قويًا، وهي ليست بحاجة إلى قروض، ولدى البنوك الروسية أرصدة ضخمة، أضف إلى أن الزعيم الروسي يعمل مع شركائه الدوليين لإنشاء نظام مصرفي مستقل عن الدولار الأميركي. وبالتالي رهان الغرب على هزيمة روسيا الاتحادية من خلال حرب الاستنزاف في أوكرانيا، وتطويقها بكم هائل من العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية والديبلوماسية والإعلامية لم تأت اوكلها. 

إذا زيارة ساكن البيت الأبيض لكييف المنكوبة بالحرب، التي أشعلتها نتيجة سياساتها وتقديراتها غير الدقيقة، وقبولها أن تكون بؤرة حرب الغرب على روسيا الاتحادية استباقًا لإعادة تشكل النظام العالمي الجديد، الذي شق طريقه إلى النور منذ ما يزيد على العقد، رغم رفض واشنطن الاعتراف بذلك، لم تحمل جديدًا عسكريًا أو ماليًا، وحتى الجانب المعنوي، ليس بالأمر الذي يوازي شيئًا من الخسائر الفادحة التي تكبدها الشعب الاوكراني. 

وكان الرئيس الأوكراني أكد في أكثر من تصريح، وآخرها قبل وصول الرئيس بايدن للقائه أول أمس، أن المواجهة مع القوات الروسية تتصاعد بضراوة، مما دعاه للمطالبة بطائرات حربية متطورة، وأسلحة بعيدة المدى لصد الهجوم الروسي في خاركييف وزاباروجيا وباخموت الواقعة على خط الجبهة في دونيتسك. وهو ما يؤكد، أن الدعم العسكري الغربي متعدد الأوجه والصنوف من الأسلحة، لم يحقق أية نتيجة ترجى. وأن المطالبة بالمزيد من الطائرات والصواريخ والدبابات الألمانية والأميركية والبريطانية والفرنسية وغيرها من الدول الأقل شأنًا في ميدان التسلح يكشف عدم جدوى تلك الأسلحة، وإذا كان هناك من مردود لها، فانه يتمثل في استنزاف روسيا الاتحادية وجيشها قبيل دخول أوروبا كلها لميدان الحرب المباشرة. لأن الولايات المتحدة الأميركية ستحرص على عدم التورط المباشر مع الدب الروسي، إسوة بما فعلته في الحرب العالمية الثانية 1939 /1945. 

لكن وفق سيناريوهات الحرب الدائرة في أوكرانيا، من الصعب الافتراض ببقاء أميركا هذه المرة خارج ساحات المواجهة المباشرة. لأنها في حال انخرطت دول أوروبا الغربية في ساحة الحرب، فمن الصعب أن يحصرها الكرملين في دائرة القارة العجوز، لأن المواجهة الأساسية بين واشنطن وموسكو وحلفائهما. وبالتالي تملي الضرورة عندئذ توجيه الضربات للولايات المتحدة لتحقيق أكثر من هدف، أولاً تقليم أظافر راعي البقر الأميركي؛ ثانيًا نقل الحرب مباشرة مع الإمبراطورية الأميركية، لأنها المستفيد الأول منها بالوكالة، لذا لابد من تدفيعها الثمن، ولإرغامها على القبول بالنظام الدولي الجديد؛ ثالثًا للحؤول دون إرسال مساعداتها للدول الأوروبية التي ستتورط بإرادتها أو رغمًا عنها في المعركة. 

باختصار زيارة الرجل الأميركي المريض لأوكرانيا، لم تحمل جديدًا، وخلفيتها الأساسية تعميق تورط أوكرانيا في الحرب، والتضحية بالشعب الأوكراني المثخن بالجروح والنكبات في ظل النظام السياسي الحاكم.