يتضح لمن تابع خطب السيد الرئيس محمود عباس "أبو مازن" خلال العام المنصرم 2022، امتلاك سيادة الرئيس عباس رؤية واضحة فيما يتعلق بكيفية الدفاع عن المصالح الفلسطينية والخطوات القادمة وكل ما يتعلق بخلق حراك لدعم القضية الفلسطينية.

ولا يزال سيادة الرئيس عباس في خطاباته متشبثًا بصلابة بالثوابت الوطنية، ينشر الحقيقة، ويدحض الرواية الصهيونية المزيفة، وقد قدمت خطبه في عام 2022 إضاءات جديدة، لفتت أنظار العالم، لا سيما الغربي منه، وأثارت حفيظة غلاة المتطرفين والمستوطنين، حيث شنت حملة تحريضية هستيرية ضد السيد الرئيس في الفترة الماضية، لما قدمته هذه الإضاءات من منهاج للعمل الدبلوماسي والوطني الفلسطيني.

خمس إضاءات رئيسية في خطب سيادة الرئيس عباس:

- أولاً: أولى هذه الإضاءات هي القبول بانضمام دولة فلسطين عضوًا كاملاً في الأمم المتحدة، كطريق وحيد لوقف هذا المد الاستعماري العنصري، ولتحقيق السلام الشامل والعادل، وحماية الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.

حيث ركز السيد الرئيس على مسألة توفر كافة مقومات هذه الدولة، وأن فلسطين أثبتت منذ الاعتراف بها عضوًا مراقبًا في عام 2012، أنها دولة مسؤولة، وفاعلة، وقادرة على العمل مع المجتمع الدولي، ما يدحض حجة أي دولة أوروبية أو غير أوروبية ما زالت ترفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ويندرج تحت هذه الإضاءة وجوب تشكيل لوبي عربي للتحرك على المستوى الدولي، متسلحا بـأكثر من 750 قرارا من الجمعية العامة، و95 قرارا من مجلس الأمن، و95 قرارا من مجلس حقوق الإنسان، لم ينفذ منها أي قرار، ومن هذه القرارات ما دعمته الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن وهو القرار 2334 المتعلق بالاستيطان. هذا فضلا عن وجوب تنفيذ القرارين 181 عام 1947، و194 عام 1948، اللذين كانا شرطين لقبول "إسرائيل" كعضو في الأمم المتحدة.

- ثانيًا: أما ثانية هذه الإضاءات، فقد تمثلت في تأكيد سيادة الرئيس على أهمية حضور الرواية الفلسطينية في المشهد الدولي، إذ إن اعتماد الأمم المتحدة قرارًا بإحياء الذكرى 75 للنكبة في 15 أيار/ مايو 2023 في قاعة الجمعية العامة، لهو أقوى رد أممي على الرواية الصهيونية الزائفة.

فمن الأهمية بمكان فضح الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في كافة الميادين، والمستمرة منذ نكبة عام 1948، وما صاحبها من مجازر وصلت إلى أكثر من خمسين مجزرة ارتكبتها العصابات الصهيونية، وهدم لـ529 قرية فلسطينية وتهجير وطرد لأكثر من نصف الشعب الفلسطيني من أرضه، وما زال الاحتلال الإسرائيلي يواصل عملياته الاستيطانية وأعمال الهدم والقتل، هذا فضلا عن استهداف الأسيرات والأسرى في سجون الاحتلال، والاعتداءات والحصار لمدننا ومخيماتنا وقرانا، في كل الأرض الفلسطينية.

- ثالثًا: المطالبة بالاعتذار عن الاستعمار، حيث يستوجب على بريطانيا وأميركا؛ الدولتين اللتين كانتا وراء وعد بلفور، الاعتذار وتقديم التعويضات للشعب الفلسطيني أسوة بغيره من الشعوب، التي تتعرض لمثل هذه الاعتداءات وتطالب بذلك.

من الأهمية بمكان البناء على هذه المقاربة، وتحديد موقف عملي وليس نظريًا فحسب؛ ليس على مستوى فلسطين وحدها وإنما على مستوى الدول العربية وغير العربية التي عانت من ويلات الاستعمار، واستغلال الحرب الروسية الأوكرانية، لفضح ازدواجية المعايير والانتقائية الغربية في التعامل مع القانون الدولي، من خلال تشكيل لوبي أو آلية معينة تضغط باتجاه مطالبة هذه الدول بالاعتذار عن ماضيها الاستعماري.

- رابعًا: المقاومة الدبلوماسية والشعبية السلمية، حيث أكد سيادة الرئيس على استكمال الانضمام إلى المنظمات الدولية (منظمة الملكية الفكرية، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الطيران المدني الدولي، وغيرها)، مع التأكيد على التمسك بالمقاومة الشعبية السلمية.

- خامسًا: الإضاءة الأخيرة، مفادها أنه لن يكون هناك أمن واستقرار في المنطقة والعالم، حال ما استمرت حالة التنكر للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، المعترف بها في القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة.

ولعل قرارات القيادة الفلسطينية الأخيرة التي جاءت عقب مجزرة مخيم جنين أواخر كانون الثاني/ يناير 2023، بوقف التنسيق الأمني والتوجه إلى مجلس الأمن واستكمال الانضمام إلى المنظمات الدولية، لهي رسالة واضحة، بعدم القبول باستمرار هذا الاحتلال، وأن الأمن الإقليمي مرهون بمدى الاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في الحرية والكرامة والاستقلال.

 

حملة اعتماد خطاب فلسطين في الدورة الـ77 للأمم المتحدة

وفي ضوء ما سبق عرضه من إضاءات موجزة ومكثفة، هي الأهم برأيي، بادرت دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني في منظمة التحرير الفلسطينية، بالعمل لإنشاء حملة اعتماد خطاب فلسطين في الدورة الـ 77 للأمم المتحدة، بالتنسيق مع مختلف دوائر ومؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، والمجتمع المدني، سيتم الإعلان عن انطلاقتها بشكل رسمي في القريب العاجل.

وقد شرفت بأن أكون جنديا في اللجنة الأكاديمية الخاصة بالحملة، والتي تتخذ خطب سيادة الرئيس عباس منهاجًا لعملها الذي سيأخذ مسارات دبلوماسية شعبية، وأكاديمية، وبرلمانية، وأهلية، نحو تشكيل جبهة دولية تدعم المساعي الدبلوماسية الرسمية الفلسطينية، الرامية إلى نيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وصولا إلى إنهاء الاحتلال وتحرير شعبنا وكامل أراضيه.

 

خاتمة  

تؤسس خطب سيادة الرئيس محمود عباس لمنهاج عمل وطني ودبلوماسي، يستوجب من الجميع الانطلاق بروح وطريقة تفكير وأدوات جديدة، من شأنها دعم القضية الفلسطينية بكافة مفاصلها، إذ لا يمكن تشكيل بيئة دبلوماسية واسعة التأثير دون تكامل الجهود الرسمية وغير الرسمية.

لم تعد هناك تداعيات أو خسائر إلا وقد تكبدها الشعب الفلسطيني، وآن الأوان للعمل النضالي الدبلوماسي بشكل دؤوب ومغاير، بما يضغط على هذا المجتمع الدولي ليحسم أمره ويترجم بياناته إلى خطوات وإجراءات عملية ضد الاحتلال الاستيطاني. فلا سبيل لسلام أو استقرار في الإقليم والعالم بدون إنهاء الاحتلال، وإقامة دولة مستقلة، عاصمتها القدس.