بسم الله الرحمن الرحيم 

يا جماهير شعبنا الفلسطيني المناضل، شعب الثورة والعزّة والصمود،

 صفحةُ عامٍ آخر نطويها اليوم فيما نُضيء شعلةً جديدةً في عمر ثورتنا المجيدة، شعلةَ العام الثامن والخمسين من عمر حركة "فتح" الأبية، صانعةِ عزّتنا وكرامتنا، وديمومةِ العطاء والنضال الوطني على امتداد فلسطين وفي كلِّ بقاع الشتات.

 

نقفُ اليومَ أمام عظمة "فتح" التي حوّلت صورةَ شعبنا الفلسطيني أمام العالم أجمع من مجرّد شعب لاجئ هُجِّر من أرضه إلى شعب ثائر لا يستكين حتى استعادة أرضه وحقوقه، والتي نقلت قضية فلسطين من أدراج النسيان إلى قضية تحتل الأولوية في لقاءات وقرارات المجتمع الدولي. 

 

 ففي مثل هذا اليوم الخالد من العام ١٩٦٥ انطلقت شرارةُ الفتح مُعلِنَةً أنَّ هدفها وبوصلتها التي لن تحيد عنها هي رفعُ الظلم التاريخي الذي ألحقه الاحتلال الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني، واستعادة أرضنا الفلسطينية المحتلة، والدفاع عن حقوق شعبنا وقضيته، وصون القرار الوطني الفلسطيني المستقل. 

 

سجلٌ حافلٌ بالشهداء والتضحيات ومسيرةُ أكثر من ثمانيةٍ وخمسين عامًا من الكفاح الوطني المتواصل خطّتها بعزّة وصمود حركة "فتح" وثورتنا الفلسطينية التي انطلقت على يد ثُلّةٍ من قادتنا الشهداء العظام، وعلى رأسهم الرمز الخالد ياسر عرفات، وقدّمت شهيدها الأول أحمد موسى وأكثر من ثلثَي أعضاء لجنتها المركزية شهداء، ودخلت التاريخ من أوسع أبوابه بقدرتها على تجاوز كل الأزمات الخانقة، وإفشال المؤامرات على قضيّتنا ومشروعنا الوطني، وخوض المعارك الاستراتيجية المفصلية ضد الاحتلال الإسرائيلي، مُسطِّرةً البطولةَ والنصر في معركة الكرامة، والصمود الأسطوري في مخيمات لبنان وخلال حصار بيروت، وقائدةً دفّة المواجهة في انتفاضتَي الحجارة والأقصى، ومؤسِّسةً نواة الدولة الفلسطينية، وصولاً إلى تصدُّر المواجهات اليومية المتواصلة مع الكيان الإسرائيلي وتقديم جِسام التضحيات والشهداء إلى جانب شعبنا الفلسطيني ودفاعًا عن وجوده وصموده في أرضه.

 

يا جماهير شعبنا الفلسطيني الصامد، يا أبناء الديمومة، 

لقد قادت حركتُنا منذُ البدايات تجربةَ الكفاح المُسلَّح الذي كانت رائدةً له في وجه آلة الحرب الإسرائيلية ورغم كل الأهوال والتحديات أوجدت لنا موطئَ قدمٍ في فلسطين، وواكبت التبدُّلات في طبيعة الزمن والظروف وأشكال المواجهة والصراع السياسي والدبلوماسي والإعلامي والعِلمي والفكري، وصولاً إلى انتهاج العمل الكفاحي الشعبي الفاعل على الأرض عبر تصعيد المقاومة الشعبية، فاستطاعت المواءمةَ بين مختلف أدوات المقاومة، على أرضية أساسية هي المصلحة الوطنية العليا لشعبنا الفلسطيني دون إسقاطٍ لأي أسلوب من أساليب المقاومة المشروعة. 

 

وفي سبيل ذلك، تعرَّضت "فتح" على مرّ أكثر من ٥٨ عامًا للعديد من الضغوطات الخارجية والداخلية، ومساعي التصفية والإلغاء التي طالتها من خلال استهداف رموزها وأهدافها ومشروعها الوطني والهُويةِ الوطنية التي كرّستها، علاوةً على 

ومحاولات شقّها وتمزيق نسيجها على يد الاحتلال الإسرائيلي وأعوانه، ولكنَّها ولأنّها حاضنةُ الكلِّ الوطني وحركةُ شعبنا الفلسطيني وحاميةُ مشروعنا التحرُّري تجاوزت كل الصعاب، وانتصرت للمصلحة الوطنية العُليا، ورفضت -رغم كلِّ محاولات الضغط والابتزاز- أن تكون مطيةً لأي جهة إقليمية أو دولية، أو أن تخضع لإرادة الاحتلال وحلفائه.

 

لقد أثبتت "فتح" أنّها لا تقبل القسمة أو التجزئة بل هي وحدةٌ واحدةٌ موحّدةٌ شامخةٌ شموخَ الرواسي، عصيّةٌ بحكمة وإخلاص قيادتها على عالكسر والإذعان، فما زادتها الأهوال والأنواء والمؤامرات التصفوية إلا صمودًا وثباتًا ورسوخًا بهذه الأرض المباركة، وتشبُّثًا بالثوابت والمشروع الوطني، وعزيمةً لا تلين في استمرارية الفعل الكفاحي والتصدي لآلة البطش الإسرائيلية وقطعان مستوطنيها ولكل مشاريع الفتنة وصفقات العار ومحاولات مصادرة حقوقنا وقرارنا الوطني الفلسطيني المستقل. 

 

وها هي اليوم تدخلُ عامًا جديدًا في خضمِ مُتغيّراتٍ وتحدياتٍ مُتسارِعةٍ على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي، وفي ظلِّ مرحلةٍ يزدادُ فيها التأكيد على شعارات الحُريّة والعدالة والديمقراطية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، بيْدَ أنَّ هذه الشعارات الرنانة تصطدم بسياسة الكيل بمكيالَين من قبَل المجتمع الدولي المنحاز إلى جانب الاحتلال وبطشه وعدوانه، بما لا يُهدّد مصداقيته فحسب وإنّما يعطي حافزًا للمحتل الغاصب في التمادي في إرهابه وبطشه وجرائمه دون أن يُقيم وزنًا لأي رادع أخلاقي أو قانوني.

 

وأمام هذه التحديات الجسيمة والمرحلة الخطيرة التي تحيق بقضيّتنا إذ يزداد العدو الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة تغولاً وتوغلاً في عنصريته وفاشيته وتحريضه وتنكيله ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا وأسرانا، وتزداد سياسته وجرائمه شراسةً ووحشيةً تجاه قضيتنا بكل جوانبها مقابل صمتٍ دوليٍّ مريب وخذلان من بعض الأنظمة العربية التي غرقت في مستنقع التطبيع، وهيمنة أمريكية وانحيازٍ سافر لصالح الاحتلال، فإنّنا اليوم كفلسطينيين على مختلف انتماءاتنا السياسية وشرائحنا الاجتماعية معنيون أكثر من أي وقت مضى بتجسيد أخلاقيات ومبادئ الشهيد الرمز ياسر عرفات وقادة ثورتنا الفلسطينية الشهداء والمُثُلِ التي أرسوها، وفي مقدمتها الإيمان بوحدتنا الوطنية الفلسطينية ضمانةً وحيدةً لاستمرارية نضالِنا وكفاحنا والانتصار على العدو الصهيوني. 

وإن ذلك لَيُحتّمُ على قوانا الفاعلة تغليب المصلحة الوطنية العليا لشعبنا على كل ما سواها وإنهاء الانقسام الذي يسطر الوطن، والعمل الناجز لتصليب جبهتنا الداخلية عبر توحيد الدور والجهود والمواقف، والالتفاف الكامل حول منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتنا الوطنية الفلسطينية بما تمثله من مرجعية وطنية شاملة.  

 

وفي هذه المناسبة التي تؤرّخ انبثاق ثورتنا الفلسطينية لاستعادة أرضنا وحقوقنا الوطنية، فإنّنا نحثُّ المجتمع الدولي على وضع حدٍّ لمأساة شعبنا وإنصاف قضيته عبر إنهاء الاحتلال الغاصب لأرضنا، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار ١٩٤ الذي يكفل حق عودة شعبنا، ومحاسبة الاحتلال على ما ارتكبه بحق الشعب الفلسطيني من جرائم الحرب، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا. 

 

وإذ نثمّن الالتفاف والدعم الجماهيري الذي تبديه شعوب أمتنا العربية بل وأحرار العالم أجمع تجاه عدالة قضيتنا الوطنية، فإننا ندعو الأنظمة العربية التي انزلقت إلى فخ التطبيع والتخاذل، لإعادة تقييم أولوياتها، والتراجع عن تطبيعها مع المحتل الإسرائيلي، وإعادة صياغة مواقفها بما يلبي تطلعات شعوبها ويتماهى مع إرادتها وموقفها العروبي المشرف، والانتصار لقضية فلسطين، القضية القومية المركزية التي تجسد عنوانًا لنهضة واستعادة وحدة وكرامة الأمة العربية.  

 

 

أبناء شعبنا الفلسطيني الأبيّ، أيها الوطنيون الأوفياء للثوابت والانتماء، 

لم يكن إطلاقُ الرصاصات الأولى في الفاتح من كانون الثاني عام ١٩٦٥ مجردَ إعلانٍ لانطلاق حركة ثورية فحسب، وإنّما كان ميلادًا لحركة الكل الوطني الفلسطيني، التي جسَّدت ضرورةً تاريخيةً فرضتها متطلّباتُ الوجود والنضال لشعب الجبّارين، فجاءت الانطلاقة تعبيرًا راسخًا عن رفض شعبنا للاحتلال وجوره، وكانت شعلةً مضيئةً للوطنيين والأحرار وبرهانًا للحفاظ على تراث وإنجازات شعبنا.

 

وإنّنا اليوم إذ نُحْيي هذه الذكرى المجيدة تحت عنوان "عهدُنا ثورةٌ حتّى النّصر" فإنّما لنجدد العهدَ والقَسَم لروح قائد مسيرتِنا ومفجر ثورتِنا وملهمها الشهيد الرمز ياسر عرفات وكل القادة المناضلين الذين عمّدوا بدمائهم درب كفاحنا العتيد، وأسرانا البواسل الذين يسطرون يوميًا بصمودهم وأمعائهم الخاوية أروعَ آيات التضحية والفداء، ولحامل الأمانة وحارس ثوابتنا الوطنية وربّان سفينة الخلاص الوطني إلى برّ الأمان السيد الرئيس محمود عبّاس، بأن تتواصل مسيرة هذه الثورة وهذه الحركة على درب التضحيات والوفاء والبناء حتّى النصرِ وتحقيق أهداف شعبنا كاملةً في تحرير فلسطين وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هُجِّروا منها.

 

الرحمة لشهدائنا الأبرار 

والحُرية لأسرانا البواسل 

والشفاء لجرحانا الميامين

والتحية لشعبنا المناضل على كل جبهات الرباط والصمود والمواجهة مع الاحتلال

والعهدُ بأن تبقى تضحياتُ أبناء ثورتِنا المجيدة نبراسًا يُضيء لنا دربَ مسيرتنا المستمرّة حتّى النّصر. 

 

#عهدُنا_ثورة_حتّى_النصر