إسراء غوراني

لم يتمكن المزارع عبد الرحمن صوافطة من قرية بردلة بالأغوار الشمالية من زراعة محصوله البعلي، حيث شارف موسم الزرع على الانتهاء، فخلال الأسبوع الماضي استولت قوات الاحتلال الإسرائيلي على جرارين زراعيين يملكهما خلال عملهما في حراثة أرضه.

صوافطة وهو في عقده التاسع يواظب منذ عقود، على زراعة المحاصيل البعلية من قمح وشعير في أرضه البالغة مساحتها 60 دونما، ويعتمد على هذه المحاصيل في تغذية مواشيه، فهو يربي 70 رأسا من الماشية ويعتاش منها مع أبنائه.

يقول صوافطة الذي بدا التعب يثقل كاهله: "لا نعلم كيف سنتدبر الأمر، في حال خسرنا الموسم لن نتمكن من تأمين المأكل لمواشينا، وليس باستطاعتنا شراء الأعلاف لإطعامها طوال العام، هذه سياسة ابتدعها الاحتلال لحرماننا من رزقنا".

هذا العام لم يتمكن أكثر مزارعي الأغوار الشمالية من زراعة أراضيهم البعلية حتى اللحظة، بعد أن صعّدت قوات الاحتلال من استهدافها للزراعة في المنطقة، حيث تعمل على إيقاف أي جرار زراعي يدخل الأراضي لحراثتها وتستولي عليه.

تشير المعطيات الواردة من محافظة طوباس والأغوار الشمالية، إلى أن سلطات الاحتلال استولت منذ بداية العام الجاري وحتى الآن على 24 جرارا زراعيا، معظمها تم الاستيلاء عليه خلال العمل في حراثة وتأهيل الأراضي للزراعة.

أبو معاذ مزارع آخر من القرية، يزرع سنويا حوالي 100 دونم بالمحاصيل البعلية، لكنه لم يتمكن حتى الآن من حراثتها وزراعتها بسبب ملاحقات الاحتلال للجرارات الزراعية وللمزارعين خلال عملهم.

لا تقتصر معاناة المزارعين على تلك الملاحقات، ففي حال تمكنهم من زراعة محاصيلهم قد لا تنجو هذه المحاصيل من التلف بسبب التدريبات العسكرية التي يجريها جيش الاحتلال داخل الأراضي.

خسر أبو معاذ نصف محصوله البعلي العام الماضي، بسبب التدريبات العسكرية في المنطقة، والتي تزامنت مع بداية نمو المحصول، لكنه يصر على زراعة أرضه كل عام مهما بلغت الخسائر.

يقول: "هذه بالنسبة لنا مسألة حياة أو موت، لأن ترك الأراضي دون زراعة يعني جعلها لقمة سائغة للمستوطنين لتوسيع الاستيطان".

في عاطوف الواقعة على شفا الأغوار الشمالية تتكامل فصول معاناة المزارعين، فبالإضافة إلى الاستيلاء على الجرارات الزراعية، وإتلاف مساحات واسعة من المحاصيل بفعل التدريبات، تستهدف سلطات الاحتلال البنية التحتية للزراعة.

قبل أسبوعين، أغلقت طرقا ترابية في عاطوف يسلكها المزارعون للوصول إلى أراضيهم، كما أخطرت بوقف العمل في طريق زراعية حيوية.

يؤكد المزارع محمد بني عودة من المنطقة أن هذه الطرق هي السبيل لوصول المزارعين إلى أراضيهم في المنطقة الشرقية من عاطوف وفي منطقة الرأس الأحمر، وإغلاقها من شأنه أن يجعله شاقا وقد يصبح مستحيلا في قادم الأيام.

يوضح مدير زراعة الأغوار الشمالية هاشم صوافطة، أن الاحتلال يصعد من انتهاكاته في مناطق الأغوار تزامنا مع مواسم زرع وحصاد المحاصيل البعلية كل عام، ما يؤدي لضياع المواسم الزراعية على أصحابها وتقليل الاستفادة منها، وهي وسيلة ينتهجها الاحتلال لتهجير المزارعين من أراضيهم وتسهيل الاستيلاء الكامل عليها.

تتركز أشكال هذه الانتهاكات، وفقا لصوافطة، بملاحقة الجرارات الزراعية والاستيلاء عليها لمنعها من حراثة الأراضي، بالإضافة إلى التدريبات العسكرية التي تتم داخل الأراضي الزراعية للمواطنين، فضلا عن انتهاكات المستوطنين في هذا المجال والذين يطلقون أبقارهم ترعى داخل الأراضي المزروعة بالمحاصيل البعلية.

يضيف: سنويا مع بدايات فصل الشتاء تشهد مناطق الأغوار تدريبات عسكرية واسعة ما يؤدي لإتلاف المحاصيل البعلية مع بداية نموها، وما ينجو من ذلك يتعرض للتلف لاحقا جراء التدريبات التي يجريها الاحتلال في فصل الصيف وتزامنا مع وقت حصادها.

يؤكد صوافطة أن تأخر المزارعين في فلاحة أراضيهم وتلف ما تمت زراعته يكلفهم خسائر كبيرة، فهذه المحاصيل يعتمد عليها بقاء الثروة الحيوانية في مناطق الأغوار بعد إغلاق الاحتلال غالبية الأراضي الرعوية وحرمان الرعاة الفلسطينيين من وصولها.

وبينما يحرم المزارعون الفلسطينيون من فلاحة أراضيهم واستغلالها، عمل المستوطنون خلال الأسبوعين الماضيين على حراثة وزراعة أراضٍ مملوكة لمزارعين فلسطينيين في سهل موفية بالأغوار الشمالية.

في هذا السياق، يوضح صوافطة أن حوالي 150 دونما حرثها وزرعها المستوطنون في سهل موفية مؤخرا، علما أن هذه الأراضي هي أراض مملوكة رسميا للأهالي بالطابو وأصحابها يزرعونها سنويا بالمحاصيل البعلية.

وتشير الإحصائيات لدى صوافطة أن المساحات البعلية في قرى وتجمعات الأغوار الشمالية تبلغ 50 ألف دونم، لكن المزارعين لا يتمكنون من زراعة سوى 20 ألف دونم منها بسبب استيلاء الاحتلال على غالبية هذه الأراضي بذرائع وتصنيفات مختلفة، ومنها تصنيفها على أنها "أراضٍ عسكرية مغلقة"، إضافة للعديد من التسميات الأخرى.

كما تشير ذات الإحصائيات إلى أن 4 آلاف دونم مزروعة بالمحاصيل البعلية تعرضت للتلف خلال العامين الماضي والحالي، بسبب تدريبات الجيش ورعي أبقار المستوطنين.