لم تعد الشوارع بين المدن والقرى الفلسطينية آمنة، بل غدا التنقل بينها مخاطرة كبيرة، ويتطلب السؤال مرات ومرات، والتفكير ملياً كيف يمكن الوصول دون التعرض لأذى من قبل قطعان المستوطنين الذين ينتشرون كذئاب مسعورة، يمارسون العربدة على المدنيين الآمنين العزل، وكل ذلك يجري تحت حماية رسمية من جيش الاحتلال.

المستوطنون لم يعودوا مجرد أفراد طائشين، بل مجوعات منظمة، أو تنظيم ليس أقل، أخذ على عاتقه مساعدة دولته المحتلة في استكمال السيطرة على الأرض من خلال المساس بسكانها وأصحابها الأصليين عبر ترويعهم إلى حد قتلهم، لإجبارهم على تركها، وهم مطمئنون أنه لا عقاب لهم.

وبالمقابل لا تتوقف حكومة الاحتلال عن توسيع البؤر الاستيطانية، والاستيلاء بشكل يومي على المزيد من الأراضي، لتؤكد حقيقة مشروعها الإحلالي بتفريغ الأرض من سكانها الأصليين لصالح الغرباء، وتقديم كل الامتيازات للمستوطنين، من أسعار مميزة للمنازل، وإعفاءات ضريبية، وتوفير كل سبل الراحة لهم بهدف تشجيعهم على الإقامة فيها.

وميدانياً فإن ما يجري اليوم في مختلف محافظات الضفة الفلسطينية من عربدة المستوطنين ليس حدثاً عابراً، ولا يجب أن تكون النظرة له مجرد زعرنة من شباب، فسلوكهم اليومي ليس أُقل من شروع في القتل، فهم بالأمس القريب من أقدم على حرق عائلة دوابشة في قرية دوما شمال الضفة الغربية، وراح ضحيتها الرضيع (علي) ووالداه، والتسبب بإصابة بقية أفراد العائلة، ومن قبله الفتى أبو خضير، ومن قبلهم ومن بعدهم عشرات الحوادث التي طالت عابري الطريق، والآمنين في منازلهم.

هي عصابات تتصرف وتعي تماماً أنها تمارس إجرامها برعاية رسمية، سواء من خلال الجيش، أو بتدليل القضاء لهم، والذي اعتاد أن يصدر أحكاماً عالية في البداية لإظهار عدم انحيازه، قبل أن ينتهي بالتراجع عنها، ليقتصر الأمر على غرامة أو حبس لأيام، وذلك في إطار الحماية لهم من أي لجوء للقضاء الدولي لمحاكمتهم.

ولما كانت حكومة الاحتلال تختبئ وراء قطعان المستوطنين في تنفيذ مخططها الإحلالي، وبالمقابل تكون الأجهزة الأمنية الفلسطينية غير قادرة على مواجهتهم لحظر تواجدها في مناطق خارج نطاق السيطرة التي تخضع لها، فإن الممكن، بل الواجب يتمثل بإعادة بناء اللجان الشعبية التي طالما نجحت بحماية السكان، بل وردع المستوطنين في حال اتجهوا للمساس بالمواطنين، وهم الذين كانوا لا يتجرأون على السير على الطرق العامة دون حماية عسكرية، فيما انقلبت الصورة اليوم، وأصبح أصحاب الأرض والطريق يخشون التنقل.

إن تجربة اللجان الشعبية التي كانت أحد أبرز صور السلطة في الانتفاضة الأولى، التي تشكلت في مختلف مناطق الضفة الغربية من الكادر الوطني والمناضلين، وما حققت من نجاح في حينها، ينبغي استدعاؤها اليوم أكثر من أي وقت مضى، كجسم مكمل للسلطة والأجهزة الأمنية، دون أن تكون بأي حال من الأحوال بديلاً عنها، أو منافساً لها، بل وتقديم كل الدعم والإسناد لها لتوفير الحماية للمواطنين العزل، ولمواجهة قطعان الغرباء الذي يستغلون عدم قدرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على التواجد في تلك المناطق، وبأن السكان الأصليين عُزل، فيما هم مدججون بالسلاح، ومحميون بجيش دولتهم.
 

المصدر: الحياة الجديدة