للوهلةِ الأولى
لم أصدّقْ ما سمعتُ
انتابني شعورٌ غريبٌ
كأيّ إنسان استهلكَ حياتَه
ورماها كورقةٍ الى جانب الطريقِ
يبدو أنّكَ آثرْتَ الرحيلَ
ولم تتريّثْ حتى انبعاثِ الضوءِ
فهل يكفي باقةُ وردٍ على ضريحِ الرّخامِ
لينتهيَ كلُ شيءٍ.
كان عليَّ أن لا أصدّقَ ما سمعتُ
كغيري من العارفين بالتّعبِ
ومواجعِ الحقائبِ
حتى لو كنتُ محرّراً من الوقتِ
وسلطةِ المكانِ
فكلماتُكَ الأخيرةُ
أشهى من الذّكريات وسربِ الحمامِ
ولكي تكونَ حقّاً غائباً
ينبغي ألاّ أعودَ الى الخيالِ
ولا الى ضحكتِكَ المجلجلةِ بنكهة البنّ الطّازجِ في الصباحِ
ولا الى حجلٍ أفلَتَ من صائدٍ ماكرٍ
ينبغي ان أمرَّ بشارعٍ طالما مشيتَ فيه
لأراكَ ثانيةً
بلباسِكَ الزّيتيّ
وهدوئِكَ المتعنِّتِ
وأكتبَ ما يليقُ بغائبٍ
أريدكَ بعد هذا الرحيلِ المقيتِ
ان تعودَ جذلاً الى القرى والمطالعِ
كالعائدِ من موعدِ حبٍ
أعرفُ أنّكَ لا تملكُ حباً لغير البدايةِ
وبئرِ الماءِ
واللقاءِ الأولِ
وظلِّ الخرّوبةِ
اعرفُ انّكَ لن تتغيّرَ بعد الآن
لكني اعترفُ لك وأنا أراكَ في قصيدةٍ هاربةٍ
بأنّكَ قهرتَنا حين اكتملَ عقدُكَ الأخيرُ
أكادُ أجزمُ أنّكَ لا تعرفُ غيرَ نشيدِكَ الأبيضِ
وسبعِ ليالٍ عجافٍ
وحكايةِ الأيّامِ في مساربِ الجسدِ
وذاكرةِ العائدينَ الى ما تحبُّ من الذكرياتِ
احياناً احتاج غصناً يابساً
لأكتُبَ قصيدَتَكَ الأخيرةَ على التراب
فهلاّ عرّفتني على الاغلالِ الكافرةِ مذْ ألمّتْ بكَ الدهماءُ
قبل ان تغيبَ وتفلتَ منها كالعصافيرِ قيداً قيداً
ما أحوجني في مثلِ هذه الحالِ
الى الأفكارِ السارحةِ
لأكونَ خالياً من المفاجأةِ
وضيوفِ الكلامِ
وأسأل:
أين أنت وقت ما خرجَتْ الطلقةُ مرتينِ:
واحدةٌ في السّاقِ اليسرى فعثَرْتَ
والأُخرى في قناةٍ هامدةٍ كشقوقِ القصيدةِ
وعرفت ان من يكتُبونَ التاريخَ ليسوا إلاّ الأشقياءَ
حرّاسَ البنادقِ وحماةَ الأرضِ
لأبقى في محنة السؤالِ
على مرأى من البدايةِ
وأسألُ:
من نحن بعد الآن
وأنتَ ترقدُ في ثراكَ الأخيرِ
وترابِ الأجدادِ
أذكرُ أنّكَ لم تتغيّرْ قبل الآن
ولن تتغيّرَ بعد الآن
اذكر أنّكَ القيتَ تحيةَ الغيابِ للغرباءِ الواقفينَ أمام رذاذِ الموجِ
وضحايا البحرِ
منذُ المصافحةِ الأولى
حتى صعودِك الباخرةَ
والغرباءُ يودّعون الغرباءَ
وفي كلا الحالتينِ أحلامٌ ماتتْ وأحلامٌ تولدُ
عدّتَ بشعرِكَ الأشيبِ
لم تكن مظفّراً سوى بالشّعرِ
عدّتَ كنزهة فراشةٍ عنساءَ
تخنقُ جرحَك بالملح
وتتعرّفُ على الدارِ "بعد توهّم"
وكنتَ غريباً امام اللقاءِ الأولِ ما بعد الاخيرِ
فإلى هذا الحدِّ
اصبحتَ أليفاً ولطيفاً
كسوسنةٍ
حتى افتقدناكَ
بقلم: محمد.سعيد
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها