في الواقع الفلسطيني، الذي يعرف الجميع كم فيه من التعقيدات، نحن أحوج ما نكون فيه لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية. والهدف من هذه الانتخابات بات واضحًا، أولًا: تجديد شرعية النظام السياسي الفلسطيني، وتكريس الحياة الديمقراطية، بما يعني ذلك تكريس حكم القانون والمساءلة والشفافية. وثانيا: نحن بحاجة للانتخابات لكونها مدخلا لإنهاء الانقسام، وتداعياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فهي إذن وبهذا المعنى ضرورة واستحقاق وطني قبل أن يكون "شرطا لإدارة بايدن" كما تحاول أوساط إسرائيلية إشاعته، وإظهار أن الفلسطينيين لا يتحركون نحو مصالحهم إلا بضغوط خارجية!!!

ولكن أريد أن أذكر هنا، أن أول من اقترح إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني هو الرئيس محمود عباس، وذلك في مبادرة أطلقها في آذار عام  2011 للخروج من حالة الانقسام. ثم أصبحت هذه المبادرة متفقًا عليها مع حماس، في ما أطلق عليه حينه إعلان الدوحة. إذن هناك إدراك وطني للحاجة لانتخابات والعودة إلى الإرادة الشعبية، لتكون هي الحكم، وذلك من أجل الخروج من المأزق السياسي الذي وصلنا إليه عندما انقلبت حماس في قطاع غزة عام 2007 على الشرعية الوطنية. إدراك أهمية الانتخابات جاء مبكرًا لكن تنفيذ هذا الإدراك تأخر كثيرًا لأسباب داخلية وخارحية، ولكثرة المتدخلين في الشأن الداخلي الفلسطيني، إلا أن اعتقادًا اليوم أن هذه التأثيرات قد تراجعت نسبيًا، وأنها قد تتراجع أكثر مع إدارة "بايدن"، وبما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي يتفق الجميع على ضرورة تفعيل دورها كمرجعية سياسية متفق عليها، وتفعيل دورها خصوصًا لإعادة الروح للنضال الوطني في الشتات الفلسطيني، بما يتعلق بالمنظمة، ومن أجل تحقيق الهدف المذكور، فإن هناك حاجة ماسة لتجديد الشرعية فيها على إعادة الحياة لمجلس وطني فلسطيني تتمثل فيه كل أطياف الشعب الفلسطيني، ويعمل بشكل منتظم وفي دورات عادية منتظمة. وبهذا الخصوص فان على كل هؤلاء الذين كانوا يستنكفون عن العمل النضالي في الخارج، بحجة أن المنظمة قد تخلت عن دورها، أن يكونوا على استعداد للانخراط مجددا من باب تجديد المجلس الوطني.

كل ما سبق يؤكد أن الانتخابات حاجة وطنية، ولكن السؤال كم نحن واثقون، على سبيل المثال، من أن إسرائيل لن تعرقل إجراءها في القدس.!! كما أن هناك سؤالًا حول مدى ثقتنا من أن الانتخابات لو جرت ستنهي الانقسام، ويصبح للشعب الفلسطيني سلطة واحدة، وسلاح واحد، وقيادة وطنية شرعية تمسك وحدها بالقرار السيادي. فمن حقنا إذن أن نتساءل إذا لم تعقد الانتخابات لمثل هذا الواقع المشار له فما الفائدة من إجرائها إذن؟

هناك واقع كرسه الانقسام امتد لأكثر من 13 عامًا، وخلال ذلك نشأ نمطان ومنطقان مختلفين بالمنهج والفكر. كنا نمت مصالح في ظل هذا الانقسام، فالسؤال هل سيتخلى أصحاب هذه المصالح عنها إذا لم تلب نتائج الانتخابات تطلعاتهم ومصالحهم الفئوية؟ نحن نعلم أن جلسات من الحوار لا تعد ولا تحصى قد جرت ونجم عنها اتفاقات، ولكن السؤال كم كنا صريحين مع بعضنا البعض، بأن الانتخابات فيها خاسر ورابح، وأن هدفها يجب أن يقود إلى سلطة واحدة، وسلاح واحد وقرار سيادي واحد، فالمسألة ليست تكتيكا بهدف تسجيل نقاط، أنها حاجة وضرورة وطنية.

المشكلة الأكثر تعقيدا، هل حماس جاهزة ليكون قرارها وطنيا خالصا، أم أنها ستواصل المناورة في إطار استراتيجية فوق وطنية، وبالمقابل هل فتح التي تمسك بالقرار الوطني المستقل من الممكن أن تسلم هذا القرار لأية جهة قد تكرسه لخدمة أجندات خارجية ...!؟ من هنا وحتى إجراء الانتخابات ربما نحن بحاجة لصياغة وثيقة وطنية تجيب على كل هذه التساؤلات والمخاوف، فالتجربة الماضية كانت قاسية وصعبة ومعقدة، وأن المعادلة هي أبعد ما تكون عن مقولة "من يفز يحكم"، فالواقع الوطني الفلسطيني أكثر تعقيدا، فنحن لا نزال دولة تحت الاحتلال.

مع ذلك، فإننا بحاجة لإجراء هذه الانتخابات؛ وأن المأمول أن تتصرف كل القوى بمسؤولية وطنية، فنحن نمر بأكثر المراحل مصيرية، وهي بالفعل إما نكون أو لا نكون، والمطلوب والحالة هذه هو أن نتصرف كفلسطينيين ولا تحركنا سوى المصلحة الوطنية الفلسطينية.