مر يوم أمس، العشرون من شهر تشرين ثاني، وفي هذا اليوم من كل عام، تحتفل دول العالم باليوم العالمي للطفل، حسب توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1954 من القرن الماضي، وفي نفس اليوم من عام 1959 أعلنت الجمعية العامة للمنظمة الأممية قانون حقوق الطفل، احتفاء بهذا اليوم، وتصديقًا لغاياته الإنسانية الساعية لحماية الطفولة، وحقها في العيش، والنمو في بيئة آمنة ومستقرة .

ولأن الحياة تتفتح دومًا بالطفولة، فإن المستقبل لا يتفتح دون طفولة تنمو وتكبر في حواضن الرعاية الأسرية والتربوية والاجتماعية والقانونية السليمة، وفي البيئات الآمنة، والمستقرة، وبالرفاهية الممكنة، لا كضرورة من ضرورات النمو السليم فقط، وإنما كحق من حقوق الطفل لا ينبغي التفريط فيه.

أطفال كثر في عالم اليوم يعانون الأمرين بسبب حروب، وصراعات واحتلالات اغتالت أبسط حقوقهم، وحرمتهم من تلك الحواضن، والبيئات الآمنة، وبالطبع وكما هو واقع الى حد غير معقول، وغير مقبول، فإن الطفل الفلسطيني يتصدر قائمة هؤلاء الأطفال اليوم، بسبب واقع الاحتلال الإسرائيلي، وسياساته التعسفية، وثمة جرائم ضد الإنسانية ارتكبها الاحتلال، والمستوطنون بحق الطفل الفلسطيني، من محمد الدرة، إلى محمد أبو خضير، إلى علي دوابشة، إلى إيمان الهمص، والرضيعة إيمان حجو، والرضيع يوسف عماد اشكيان، والقائمة تطول، وللتذكير بحقيقة هذه الجرائم التي ارتكبها الاحتلال ضد الطفل الفلسطيني فقد عُدَّ عام 2014 على سبيل المثال بأنه الأكثر دموية في تاريخ أطفال فلسطين، حيث سقط فيه 546 طفلاً  فلسطينيًا شهيدًا، نصفهم  تقريبًا في عمر أقل من ثمانية شهور، ونذكر أيضًا بالأسرى الأطفال الذين بلغ عددهم هذا العام فقط، حتى نهاية حزيران الماضي 160 طفلاً !! ولا شك ومن دون أي جدل فإن الطفل الفلسطيني وهذه حاله وأحواله، يستحق ماهو أكثر من يوم، وبرنامج عمل وطني، وموقف عالمي، لإنصافه وحمايته من بطش الاحتلال وسياسته التعسفية.

وإذا كان اليوم العالمي للطفل يستهدف التذكير بحقوق الطفل غير القابلة للتصرف بكل تأكيد، وضرورة حمايتها، والعمل على تفعيل العمل الدولي على أساس احترام هذه الحقوق وتعزيزها بالبرامج التربوية والتنموية التي بوسعها إذكاء الوعي بين أطفال العالم، وتحسين سبل عيشهم بالرعاية والرفاهية التي يستحقون، فإن العالم معني اليوم بمواجهة أخطار الحاضنة اللكترونية التي يتعرض لها الأطفال في كل مكان، ونعني الهواتف النقالة، وشاشات الحاسوب التي يجعلها الانترنت ناطقة كمثل كائن حي، بات يأخذ دور الأهل في تربية أطفالهم، فيما دور المدرسة، ومناهجها التربوية في تراجع ملحوظ!!! وتكمن خطورة هذه الحواضن بقدرتها العالية على التأثير، وتخليق الوعي الزائف، وتحويل الواقع الافتراضي إلى عالم حقيقي قائم بحد ذاته، لا مرجعيات فيه سوى ما يعكس من أوهام ورموز رقمية !!!

ونرى والأمر على هذا القدر من الخطورة بهذا الشأن ضرورة التعاون الدولي في هذا الإطار للتصدي لهذه المخاطر التي تعكسها الحواضن الإلكترونية وفي الوقت ذاته على الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني على اختلاف مسمياتها، العمل سوية في هذا السياق، لأن طفولة سليمة ومتعافيه، تؤسس لمستقبل سليم ومتعاف.

اليوم العالمي للطفل هو يوم من أجل كل ذلك، ولنا أن نعمل جميعًا على ذلك، وسلام مُطَعّمٌ بالحب وبالوعد والعهد الفلسطيني المقدس لأطفالنا الشهداء والجرحى والأسرى، ولكل أطفال فلسطين وكل أطفال العالم أينما كانوا.. لهم محبة القلب ودعوته بصفاء حياتهم، بالطفولة السعيدة.