من المستغرب أن العديد من القوى والنخب السياسية اعتبرت الإعلان عن عودة العلاقات بين السلطة الفلسطينية وحكومة إسرائيل الاستعمارية الثلاثاء الماضي مفاجئًا، وخروجًا عن القرارات التي تبنتها قيادة منظمة التحرير في 19/5/2020، ومخرجات اجتماع الثالث من أيلول/ سبتمبر الماضي (2020)، وأضر بالحوار الجاري من أجل تجسير العلاقات الفلسطينية- الفلسطينية عمومًا، وبين حركتي فتح وحماس خصوصًا، ولا أعتقد أن كلا الأمرين صحيح، لماذا؟ لأن هناك أكثر من عامل تنظيمي وسياسي يدعم هذه الرؤية، منها: أولاً الجميع يذكر جيدًا وخاصة فصائل منظمة التحرير، أن آخر جلسة عقدت للمجلس المركزي للمنظمة فوضت لجنة العشرين لتنفيذ القرارات، التي تبناها المجلس، واللجنة ذاتها فوضت الرئيس أبو مازن ومجموعة مصغرة منها لمتابعة الموضوعات ذات الصلة؛ ثانيًا رئيس منظمة التحرير أكد عشرات المرات، أنه مستعد للعودة لطاولة المفاوضات مع حكومة إسرائيل على اساس التزامها بالاتفاقات المبرمة بين الجانبين، وإسقاط صفقة القرن، وإلغاء أحد عنوانيها، وهو ضم ما يزيد عن 30% من أراضي دولة فلسطين المحتلة؛ ثالثًا ما انتجته الانتخابات الرئاسية الأميركية من تطورات لجهة فوز مرشح الحزب الديمقراطي، جو بايدن، والذي لا يتبنى تلك الصفقة الفاشلة والميتة عمليًا نتاج الصمود الفلسطيني؛ رابعًا انخراط العديد من القوى الدولية وخاصة من الإتحادين الأوروبي والروسي والأمم المتحدة لعودة العلاقات على أساس الالتزام بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛ خامسًا تراجع وإنكفاء العامل العربي الرسمي بسبب الركض في متاهة التطبيع الاستسلامي، الأمر الذي ألقى العبء الأساسي على كاهل القيادة الفلسطينية عمومًا وشخص الرئيس عباس خصوصًا؛ سادسًا إرسال حكومة الاستعمار الإسرائيلية رسالة واضحة، أكدت فيها التزامها بالاتفاقات.

مجمل هذه العوامل شكلت أرضية لعودة العلاقات مع دولة إسرائيل الخارجة على القانون، لأن الشرط الأساسي، كان العنوان السياسي، أي التزام حكومة الرأس والنصف الإسرائيلية بالاتفاقيات، رغم القناعة الداخلية الراسخة بأن نتنياهو وأقرانه من المستعمرين لن يفوا بالوعد والإلتزام. بيد أن السياسة لا تقوم العلاقات فيها على النوايا، وإنما تحكمها المعطيات المعلنة بين القوى المنخرطة فيها، وهذا ليس تبريرًا، ولا تسطيحًا للأمور، وإنما تعاط عقلاني وعلمي مع شروط اللحظة السياسية.

من المؤكد كان، ويجب أن يكون قرار الإعلان عن العودة لفتح أبواب العلاقة مع الحكومة الاستعمار في أعقاب اجتماع رسمي للجنة التنفيذية للمنظمة وطرح الموضوعات المرتبطة بالملف على بساط البحث، ومن ثم الإعلان عن النتائج في مؤتمر صحفي، حتى لا يبدو الموقف، وكأنه قرار شخصي، أو مفاجئ للبعض، ويكون انسجامًا مع لوائح العمل التنظيمية الناظمة لعمل الهيئات القيادية، لا سيما وأن الأمر يهم جميع القوى السياسية خصوصًا والشعب عمومًا.

ومن موقع المتفهم لرؤية ومواقف القوى السياسية الفلسطينية المتحفظة، أو المعارضة للقرار، وهذا حقها الديمقراطي في التعبير عن مواقفها بغض النظر عن محتواه، غير أن القرار لم يكن خروجًا عن القرارات المركزية، ولا انفعاليا، أو عاطفيًا، أو نتيجة إملاءات من القوى الإقليمية أو الدولية، وإنما جاء استجابة وانسجامًا مع مصالح وثوابت الشعب المقرة في الهيئات المركزية للمنظمة، ولم يتم تجاوز أو الخروج عن أي ثابت وطني، لا بل تكريس للحقوق الوطنية. وبالتالي من يرى العودة للعلاقات مع الدولة الصهيونية من زاوية ضيقة تنحصر في الجانب المالي، على أهميته، أو جانب التنسيق المدني والأمني، فهو مخطئ، وجانبه الصواب، لأن الركيزة الأساسية تتمركز في البعد السياسي، وهو الناظم لعملية الصراع مع المستعمرين الإسرائيليين.  وتعزيزا لروح الشراكة السياسية، أعتقد أن هناك حاجة ماسة للدعوة لعقد اجتماعات للهيئات المركزية الفلسطينية، أولاً للجنة التنفيذية، أو اللجنتين التنفيذية والمركزية، والدعوة لعقد لقاء للأمناء العامين برئاسة الرئيس ابو مازن، ثم دعوة المجلس المركزي للمنظمة، الذي حان منذ زمن دعوته للانعقاد لمناقشة مجمل التطورات السياسية، وأيضًا للبت في قضايا تنظيمية باستكمال تشكل اللجان الأساسية في المجلس، وأيضًا لاستكمال عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة، ولفتح الباب أمام القوى السياسية، التي ما زالت خارج بيت المنظمة، للانضواء تحت رايتها، ولإعطاء زخم لمكانة ودور المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.