مسرحية التوقيع على اتفاقيتي التطبيع المجاني والخياني الإماراتية البحرينية مع دولة الاستعمار الإسرائيلية في البيت الأبيض أمس الأول، كانت هزلية وباهتة وتافهة بكل المعايير، من حيث الشكل والإخراج والمضمون، ولم تحقق الغايات المرجوة للرئيس دونالد ترامب، ولا لبنيامين نتنياهو، ولو توقفنا أمام ما شهده مقر الرئاسة الأميركية، نلاحظ التالي: أولاً غاب الحضور الدولي عمومًا والأوروبي خصوصًا عن الاحتفال؛ ثانيًا شعر الرئيس الأميركي بدونيته وهو يقدم رؤساء الوفود الصغار جميعًا بمن فيهم صديقه الفاسد نتنياهو؛ ثالثًا التغطية الإعلامية الأميركية والإسرائيلية والعالمية كانت ضعيفة، وليست بالمستوى المطلوب؛ رابعًا لم تجد عملية التطبيع المجاني مردودًا إيجابيًا في أوساط الشارعين الأميركي والإسرائيلي، خامسًا الكلمات الأربع هابطة المستوى والمحتوى؛ سادسًا الشيء المؤكد الانحدار العربي الرسمي ممثلاً بوزيري خارجية البلدين عبد الله بن زايد (الإماراتي)، عبد اللطيف الزياني (البحريني)؛ سابعًا لما تقدم لم يشارك حكام الدولتين، وهو انعكاس لإدراكهما أن عملية التطبيع المجانية الجبانة، والإملائية لا تحقق لدولتيهما أيّة منافع، كونها لا تجلب السلام.

وفيما يتعلق بكلمات ممثلي الدولتين العربيتين، الإمارات والبحرين، فكانت صفرًا، وسقوطًا مريعًا بِشكل فاضح ومخز، حيث لم يتجرأ أي منهما على التأكيد على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والقدس الشرقية عاصمتها الأبدية، لا بل إن الزياني لم يتلفظ ولم يذكر نهائيًا مفهوم الدولة الفلسطينية. وهو ما يعني أن كلا القيادتين دونت رضوخها، واستسلامها لصفقة العار الترامبية النتنياهوية، والتساوق معها، والركض في متاهتها.

فضلاً عن ذلك، الوثائق التي وقعوا عليها باللغات العربية والعبرية والإنجليزية لم تتضمن ذكرًا للدولة الفلسطينية، ولا حتى لموضوع الضم، ولا لأي حق من الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية. وجاءت النصوص محددة ومركزة على التعاون الثنائي بين كل دولة ودولة الاستعمار الإسرائيلية، وخرجت الدولتان بخفي حنين، ولم تحصلا على إنجاز واحد، بل وقعوا وبصموا على استسلام كامل، وعلى ورق لم يقرأوا مضامين النصوص الموجودة عليه، أسوة بالرئيس الصربي إلكسندر قبل اسبوع.

والأنكى والأمر، أن نتنياهو الفاسد والمارق، ذكرهم بكلمته بوضوح ودون لبس أو غموض، بأن القوة، هي التي صنعت "السلام"، وهو يعني الاستسلام العربي الرسمي. ولم ينبس أي من وزيري خارجية البلدين ببنت شفة، لا بل إن كليهما تغزل بالصديق نتنياهو، تزلفا وتقربا تافها ومعيبا بشخصيتيهما. وكان طبعا الإطراء للرئيس البلطجي، ترامب المتصهين، صاحب العصا الغليظة، التي أشار لها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بأنه "لولاك أنت لما تحققت صفقة التطبيع المجانية الخيانية مع الدولتين".

النتيجة المنطقية لما حصل في البيت الأبيض، تؤكد للقاصي والداني، أن مسرحية التطبيع المجانية كشفت المستور كله، ولم تبق على العين قذى، وأزالت نهائيًا ورقة التوت عن مسار السياسة الرسمية للدولتين. وأكدت بما لا يدع مجالاً للشك، على أن كلا الدولتين لا تملك قرارها، ولا تسيطر على سيادتها، وكلاها أسيرة المخطط الصهيو أميركي.

وبعيدًا عما ذكر آنفًا، كانت عملية التوقيع لحظة قاتمة وظلامية وطعنة خيانية في ظهر القضية والشعب الفلسطيني، ونكبة جديدة في مسيرة النظام السياسي الرسمي العربي، وعمقت الشرخ والنزيف في الجسد العربي، وهدمت آخر جدار لمرتكزات السياسات العربية الرسمية. بيد أن الخطوة الإماراتية البحرانية أمس الأول بقدر ما وضعت نهاية لحقبة من التاريخ العربي الرسمي، بقدر ما فتحت أفق النضال أمام الجماهير الشعبية العربية وقواها الحية ونخبها السياسية والثقافية والإعلامية والأكاديمية. كما ألقت بتبعات المرحلة القادمة على تلك الجماهير وقواها الوطنية والقومية الديمقراطية.

مرحلة خطيرة تمر بها شعوب الأمة العربية عمومًا، والشعب الفلسطيني خصوصًا، لكنها لن تكون أخطر من مراحل سابقة من النكبة عام 1948 والنكسة 1967 وحرب الخليج الثانية واحتلال العراق، والحروب البينية العربية العربية ... إلخ. من المنعطفات الخطرة، التي مرت بها شعوب الأمة، غير أن تلك المحطات والهزائم، لم تكسر ظهر الأمة، ولن تكسرها، ستنهض رغم كل الصعاب والتعقيدات والهزائم والنكبات. وقادم التاريخ المنظور بالضرورة سيحمل الجواب.