تقرير: معن الريماوي

 

سار منتصر الفاخوري في ممر ضيق يحيطه سياج شائك داخل حاجز وادي الخليل "ميتار"، يتبعه ثلاثة آخرون من رفاقه، قاصدين عملهم، ليجدوا جنود الاحتلال ممن يسمون بـ"حرس الحدود" لهم بالمرصاد، وينهالوا عليهم بالضرب المبرح بطريقة وحشية لأكثر من ساعة ونصف، بالهراوات والآلات الحادة.

وبعد مرور شهر على الحادثة، فوجئ منتصر بوسائل إعلام مختلفة تتناقل مقاطع فيديو مصورة تظهره واثنين من رفاقه، وهم يتعرضون للتعذيب بطريقة وحشية وهمجية، وفي محاولة لامتهان الكرامة الشخصية، أثناء توجههم إلى عملهم داخل أراضي العام 48، على مرأى ومسمع العالم أجمع، دون اكتراث لأية أعراف وقوانين دولية.

وعن الحادثة يقول الفاخوري (21 عاما) من مدينة الخليل، "اعتدى جنود الاحتلال علينا بالضرب، مستخدمين الهراوات وأعقاب البنادق، والآلات الحادة، وتم ضربي بآلة حادة كانت بحوزة أحد الجنود على رأسي، ومن ثم على بطني وقدمي، والدماء تسيل مني، وفوجئت بأن الفيديو انتشر بعد فترة، وصدمت بأنهم كانوا يصورونا".

ويضيف "كان المشهد مخيفا جدًا، كنت أنظر لأصدقائي والدماء على وجوه الجميع، وهم يصرخون بصوت عالٍ.. اعتقدت أننا سنموت من شدة ضربهم لنا، اعتقدت أني لن أخرج من هذا المكان حيًا أبدا، وأني سأتلقى رصاصة".

ويتابع الفاخوري "كان الجنود يتلذذون بتعذيبنا، ويتحدون بعضهم البعض حول من سيضرب أكثر، ومن سيوجع أكثر، نحن لا نستغرب هذا العمل عن الاحتلال الذي يقتل ويذبح بدم بارد".

سرق جنود الاحتلال كل ما بحوزة منتصر ورفاقه من أموال، وألقوا بهم على قارعة الطريق، وأجسادهم لا تقوى على الحراك.

لليوم، يعاني منتصر من رضوض في قدمه اليسرى ولا يستطيع الدوس عليها بشكل جيد، ويتردد الى طبيب نفسي، نتيجة ما جرى له والتي أثرت بشكل قوي على وضعه النفسي.

يؤكد "توجهت لمؤسسات محلية حقوقية وقدمت إفادتي حول الجريمة، خاصة أنها مثبتة عبر الفيديو الذي انتشر، وتداوله الكثيرون"، مطالبا بضرورة توفير الحماية للعمال، خاصة في ظل هذه الأوضاع الصعبة.

المتحدث باسم وزارة العمل رامي مهداوي يؤكد أنه جرى التواصل مع العمال مباشرة، وأخذ إفادتهم حول ما حدث معهم، وسيتم رفعها الى منظمة العمل الدولية مباشرة، في اللحظة التي ستأتي لجنة تقصي الحقائق، التي تُرسل بشكل دوري سنويا من قبل المنظمة.

ويشير إلى أنه تم إرسال الفيديو لمنظمة العمل الدولية، وللاتحاد العام لنقابات العرب، ومنظمة العمل العربية، من أجل فضح ممارسات الاحتلال بحق عمالنا الفلسطينيين، فضلًا عن أنه جرى أمس توثيق فعلي ميداني من قبل مديرية عمل الخليل للحادثة، من أجل رصده كانتهاك انساني وحقوقي.

ويقول مهداوي "تم رفع عشرات القضايا حول الانتهاكات، والفيديو الأخير طرح انتهاك قضية الجسد والامتهان الشخصي الانساني، وأيضًا هناك عمليات قرصنة تقوم بها قوات الاحتلال من خلال الاعتداء على الأموال الفردية للعمال وهي تقدر بملايين الدولارات، كما أن وزير العمل وقع قبل أشهر اتفاقية مع مكتب محاماة متخصص لمتابعة قضايا العمال داخل أراضي الـ 48 أمام المحاكم الاسرائيلية في ظل جائحة "كورونا".

ودعا مهداوي العمال الذين يتعرضون للانتهاكات للوصول الى مديريات العمل لرصدها وتسجيلها، لرفعها للمؤسسات الدولية، وأن يكونوا حذرين أثناء توجههم للعمل.

ويعلق الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد بالقول، إن هذه ليست المرة الأولى التي يستغل فيها الاحتلال العمال لإرهاب شعبنا، ولن تكون الأخيرة، فهو دائما ما يعتدي عليهم أو يقتلهم أو يعتقلهم، وما أقدم عليه الجنود يعبر عن عنجهيته وفاشيته، وعندما يُعتدى على العمال "وهم الشريحة الكبرى" يعتقد المحتل أنه سيخضِع الأغلبية للإملاءات وللإرهاب.

ويشدد على أنه ومنذ بداية العام الجاري، أدى الاهمال وعدم توفير وسائل الحماية الاجتماعية بحق العمال لوفاة 34 عاملا داخل أراضي العام 48، في حين توفي أكثر من 45 آخرين العام الماضي نتيجة الإهمال في مسألة الصحة والسلامة المهنية، وعدم اكتراث المشغلين الإسرائيليين بهذا الأمر، إضافة الى أكثر من 500 اعتداء على العمال خلال العام الجاري.

ويؤكد سعد "ندرس رفع قضية على وحدة حرس الحدود، المسؤولة عن ضرب وقمع العمال، ضمن سلسلة اعتداءات على العمال بشكل عام، والتي كان آخرها ما جرى مع منتصر ورفاقه، وذلك لفضح جرائم الاحتلال، ونحن مستمرون في هذا الموضوع.

من جهته، يؤكد مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك أن ما جرى بمثابة امتهان لكرامة الانسان، وهذه الجرائم دائمة وتعبر عن عقلية عنصرية وضعف في إجراءات المساءلة والمحاسبة لهم، حيث يستسهلون الاعتداء، والتباهي بالضرب والتصوير.

ويضيف دويك ان الهيئة ومؤسسات حقوقية أخرى وجهت أكثر من نداء لمنظمة العمل الدولية لأن تفرض رقابتها، وأن تصدر تقاريرها وتتدخل في هذا الموضوع، خاصة في ظل جائحة "كورونا"، وما رافق ذلك من تزايد في حالات الاعتداء على العمال.