دائمًا وأبدًا الشعب العربي الفلسطيني في المنعطفات الصعبة، وعندما يستشعر الخطر يهدد مصيره تجده بإدراك وحس أبنائه يخرج من القمقم كالمارد، يفاجئ ذاته وأعداءه على حد سواء. وهذا الاستنتاج العلمي، ليس وليد اللحظة، أو إسقاطًا رغبويًا، أو مداهنة وتزلفًا لقوة سياسية، أو مؤسسة أو شخص ما، إنما هي وقائع التاريخ الطويل ومن بداية المواجهة مع المشروع الصهيوني الكولونيالي والإنتداب البريطاني في عشرينيات القرن الماضي.

ودائمًا وأبدًا على كل إنسان فلسطيني أو عربي أو أممي يتابع مسار صعود العملية الكفاحية الفلسطينية العودة للبطل الحقيقي، الشعب العربي الفلسطيني، الذي اجترح عشرات ومئات وآلاف المرات التضجيات الجسام دفاعًا عن ذاته، وأهدافه الوطنية. وتمكن هذا البطل التراجيدي من رد الصاع صاعين والفا على كل العملاء والأعداء في الداخل والخارج، وفضح وعرى إشاعاتهم المغرضة، المستهدفة وحدته وصلابته ودفاعه عن مستقبل أجياله. وتمكن ببراعة فائقة من كشف حقول ألغامهم، وفجرها، وسار شامخًا كالطود يقارع كل المتربصين بكفاحه ومصيره وبممثله الشرعي والوحيد، منظمة التحرير وقيادتها الشرعية.

أول أمس الإثنين الموافق 22/6/2020 جاء التحرك منظمًا، وبدعوة من قيادة حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية ردًا على جريمة الحرب الإسرائيلية وعنوانها الضم لما يزيد عن ال30 % من الأراضي الفلسطينية، التي تمثل قرابة ثلث اراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران عام 1967. وتمكنت القوى الوطنية بالتلاحم مع الشعب من إقامة مهرجان وطني متميز من حيث البراعة في اختيار المكان والزمان والحشد الشعبي والحضور السياسي والديبلوماسي العربي والأممي، حيث أقيم المهرجان في مدينة أريحا، عاصمة الأغوار تأكيدًا على فلسطينية الأرض وعروبتها، ورفضًا للضم الصهيو أميركي، ورفضًا لصفقة القرن وتداعياتها. وكانت الاستجابة الشعبية عالية، وتعكس الرغبة بالتلاحم مع القيادة الشرعية، والتصدي بالمواجهة الراشدة والهادفة للجريمة المذكورة، وتجلت أهمية الفعالية بالحضور السياسي لكل الوان الطيف الوطني باستثناء أعداء الداخل، المتساوقين مع المخطط التصفوي الصهيو أميركي، وكانت العلامة الفارقة، والجديرة بالتقدير والاهتمام في المهرجان الحضور الديبلوماسي العربي والدولي، والمواقف التي عبر عنها ممثلوهم من على منصة الشعب برفض الضم جملة وتفصيلاً، والتمسك بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

نعم المهرجان جاء مستجيبًا لنداء الشعب والشارع والموقف الوطني الثابت في رفض خيار الاستيطان الاستعماري والحرب والجريمة المنظمة، التي تقودها حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة ترامب الأفنجليكانية، وردًا على حركة الانقلاب السوداء في محافظات الجنوب ومن والاها من القوى المتأسلمة التكفيرية، ومن تساوق معها، ويركض في متاهتها، وتناسى تاريخه الوطني.

ورغم أن الحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة على الطرقات بين أريحا والقدس ورام الله ونابلس والشمال عمومًا وبيت لحم والخليل منعت العشرات من الباصات المتوجهة للمشاركة في المهرجان، إلا أن الجماهير تمكنت من اختراق تلك الحواجز، ومن لم يتمكن من الجماهير من الوصول للمهرجان نزل وتحد قوات جيش الموت الإسرائيلي وقطعان مستعمريه، واشتبك معهم بالحجارة، ولم يستسلم شعب الجبارين لأداة حرب إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، واعتبر كل حاجز بمثابة جبهة مواجهة دفاعًا عن حقه في التعبير عن خياره الكفاحي في حماية مصالحه وثوابته الوطنية.

كانت فعالية يوم الإثنين بمثابة إنطلاقة مبشرة للمقاومة الشعبية المنظمة والمؤطرة ووفق أهداف ومصالح الشعب العليا، مدعومة من المجتمع العربي والدولي، وكل أنصار السلام في العالم. كما وحملت رسالة واضحة لكل الدول والمنظمات العربية والإقليمية والقارية والأممية، عنوانها أن الشعب العربي الفلسطيني لن يستسلم لمشيئة إسرائيل الاستعمارية ولا لإدارة ترامب ولا لكل المتواطئين من العرب والمسلمين معهم، وقادر شعب الجبارين على تحدي وقهر الأعداء، رغم انه أعزل، ولا يملك سوى إرادة الحياة والبقاء والانتصار.

وحتى تكون هذه الفعالية باكورة تطوير المقاومة الشعبية تملي الضرورة تحديد أداة قيادية لها، ووضع برنامج عمل، والاتفاق على الآليات ورصد الإمكانات الكفيلة بمواصلة النضال البطولي حتى دحر صفقة القرن المشؤومة كلها، وليس الضم فقط.