هذا هو سؤال المليون دولار كما يقولون في المسابقات العلمية والعملية، لأن الإجابة عليه تعني القضاء على عدو لئيم، طفيلي يداهم حياتنا دون استئذان، خالقًا تحديات ومخاطر على  كافة المستويات، الأحياء مهددون، والمصابون يواجهون أنياب الموت، والناجون يحملون ذكريات وآثارًا قد تعلق بين اعضائهم الجسدية لقادم الأعوام من الأعمار.

المتتبع لردود الفعل تجاه الفيروس على مستوى سكان المعمورة يلحظ ردود فعل متباينة، ويرى إجراءات مختلفة تعكس ثقافات وطرق حياة الشعوب، البعض هناك داهم المحال التجارية حتى باتت السلع اليومية بين عشية وضحاها نادرة كالذهب، وفرغت رفوف المحلات من منتجات كانت تملها العين من فترة صمودها دون تغيير على الرفوف نفسها حتى الأمس القريب، ووضعت قيم الناس وقيم الشعوب والدول على محك الأزمة، ولأن الأزمات تكشف أفضل واسوأ ما لدى الناس والدول، تنوعت الردود على نحو أكثر انحيازاً للذات (الأنانية الفردية)، ونحو الاحتياجات الوطنية الداخلية لكل دولة، الكل بات يفكر في نفسه، هذه هي خارطة الردود وطبيعة الافعال، التي ستكون لها قراءات وتحاليل أكثر عمقاً في المرحلة المقبلة بعد انحسار مخاطر هذا الفيروس واتضاح صورة الواقع الذي سينتج عن كافة تفاعلات مرحلة المواجهة وما قبل الانتصار.

ما يثير القلق على المستوى الشعبي وهي من القضايا التي قد تكون تحت السيطرة إذا ما أردنا استخدامها بصورة إيجابية، تتمثل بروح التقبل الايجابي لامكانية الإصابة سواء بالخطأ أو بسبب المخالطة للمصابين بهذا الفيروس، فالبعض قد يعاني الإصابة وقد يغفل عن حقيقة إصابته حتى  تستفحل الامور، وتصبح فرص التدخل أضعف مما لو تم الكشف والتصرف والمتابعة الطبية وفق التعليمات الصادرة من الجهات الطبية بوقت مبكر، والأصعب من ذلك تلك الحالات التي قد تدرك احتمالية إصابتها، لكن لأسباب ليس لها أي أساس على الأرض الواقع تقوم بمحاولات التغاضي أو الإخفاء، تحت مبرر ذاتي يتمثل بالوهم النفسي أن الإصابة بفيروس كورونا هي "وصمة عار" ستحاصر صاحبها اجتماعياً في الوقت الراهن، وستوصمه بعلامة لا تزول على المدى البعيد مهما كانت الآثار، ولذلك قد يلجأ البعض إلى التستتر الذاتي على الإصابة سواء له أو لأحد المقربين اليه.

نحن بحاجة لوقفة اجتماعية شاملة أمام أي فهم قد يبنى على أساس تحليل مغلوط للإصابة بهذا الفيروس، فالحملة الطبية والصحية التي تقوم بها كافة الجهات وما يصاحبها من نشاطات توعوية والحملة  الإعلامية المحلية والعالمية،  ليست لتخويف الناس وإرهابهم، إنها موجهة لزيادة معرفة الناس بكيفية مواجهة الفيروس، واتخاذ الخطوات التي من شأنها حرمان الفيروس من فرص الانتشار والتوسع، وهي اجراءات تقوم بها الجهات للحيلولة دون تفاقم عدد الحالات الذي من شأنه إذا ما حدث (لا قدر الله) أن يخلق ضغطًا على المؤسسات الصحية والطبية يفوق قدراتها، خاصة وأن الدول المتقدمة وجدت نفسها غير مجهزة لأعداد كبيرة من المصابين إذا ما تفشى الوباء على نحو كارثي.

لذلك فإن الاجراءات الوقائية والاحترازية تشكل صمام الامان، واليقظة الطبية والمبادرة لاتخاذ اجراءات الإبلاغ والكشف والحجز الذاتي، أو لدى الجهات المختصة يمثل خطوة مهمة لمنع الفيروس من التفشي، وصمة العار ستكون لمن يتسبب بجهله وانانيته في إصابة غيره لأنه آثر إخفاء إصابته بحجة واهية، وخسر فرصة التعافي لأنه خسر فرص التدخل والمساعدة المبكرة للانتصار على الفيروس قبل استحكامه في الجهاز التنفسي وفي الرئتين، لأن محاولة الاحتماء بالانكار أو التستر لا تعمر طويلاً، وسرعان ما تتكشف الأعراض وتصبح خارج السيطرة مهما بذل المصاب من جهود لاخفائها، لكن حينها يكون نقل السم القاتل لمحيطه الاجتماعي كاملاً، وأضاف المزيد من الغذاء لحياة الفيروس ليعيش وينتشر من جديد، ليست وصمة عار أن نصاب بالأذى أو المرض، لكن العار يكمن في الجبن من المواجهة والتحدي ومحاولة التستر بالأعذار.

الإنسان هو عدو الفيروس وهو ضحيته في الوقت نفسه، وعلى كل واحد منا الاختيار، أما أن يكون من المشاركين في الإنتصار على الفيروس، أو أن يكون وقودًا وغذاءً سهلاً لهذا العدو، والمساحة بين الخيارين ليست كبيرة، لكن نتائجها جداً كبيرة في الاتجاهين،اتجاه يحملنا نحو المستقبل، واتجاه يقضي علينا ويغرقنا في بحر من الاصابات والعذابات التي يخلقها كوفيد -19، نحن في أمس الحاجة وفي ظل امكاناتنا وظروفنا تحت الاحتلال، إلى حماية أرواحنا ومجتمعنا، من خلال ممارسات وثقافة فردية واعية، تستند إلى التقيد بالتعليمات الطبية والنصائح العلمية الصادرة عن الجهات المختصة، علينا مراعاة نمط الحياة في ظل اجراءات ضبط التنقل والتواصل والمسافات الاجتماعية اللازمة لحماية أنفسنا من أي تهديد، وفوق كل ذلك علينا الانتباه والإبلاغ المبكرعن أي إصابة محتملة على مستوى انفسنا أو دائرتنا الاجتماعية، فالابلاغ المبكر، يمكن من التشخيص المبكر، ويمكن من اتخاذ اجراءات التدخل الطبيىة المناسبة في الوقت المناسب، وبذلك نحمي أرواحًا من أنياب الفيروس، البطولة في معرفة الخطر والتعاون مع الجهات الطبية المختصة للتصدي حسب التعليمات له، والنصر يبدأ من قناعتنا أن هناك احتمالات أن نصاب بهذا الفيروس أو غيره، وهذا ليس عيبًا أو عارًا، فقد يكون شهادة على تضحيتنا وشهادة على دورنا في مواجهة هذا التهديد، ولنا فيمن يصاب من الاطقم الطبية دليل على نبل رسالتهم وتعريض انفسهم للإصابة من خلال محاولاتهم المستمرة وعلى مدار الساعة لإنقاذ حياة المصابين، فلو فكر الإطباء أن الإصابة لعنة أو عار، لفتحت الأبواب على مصرًا عيها أمام الفيروس لينهش حياتنا ويقضي على مجتمعاتنا في كل الاتجاهات، لكن ثقافة وأصالة طواقمنا الطبية والأمنية والإعلامية المنتشرة في الميادين لأداء دورها، على قناعة أنها قد تصاب، وقد تعاني من الفيروس، لكن هذا لم يمنعها من القيام بدورها، وكذلك الحال بالنسبة لكافة مواطنينا الذين يقدمون في كل يوم نموذجًا حضاريًّا لحماية أرواح أبناء شعبنا، كلها نماذج لا تعرف لليأس طريقًا، وإنما لديها قناعة راسخة بأننا سنتغلب بوعينا وتعاوننا وتفهمنا لإجراءات الوقاية الرسمية، وسنقف بكل ما أوتينا من قوة متضامنين مع أي مصاب تعرض لهذا الفيروس مهما كانت الأسباب، لأننا معًا أعداء الفيروس وسننتصر عليه اليوم أو غداً أو بعد حين، وسنمضي معاً ولن نترك أحدًا بيننا خلفنا، قد يصاب أي منا في أي مرحلة، وقد تظهر عليه الأعراض، لكنه سيبقى عالي الجبين كما كان وسيبقى إبن فلسطين.