شهدت الشهور القليلة الماضية مع انتشار فيروس كورونا "كوفيد/19" صعودًا ملموسًا للتمييز العنصري ضد الآسيويين عمومًا، والشعب الصيني خصوصًا، الذي بدأ مع انتشار الكورونا في أوساطه في مدينة ووهان نهاية العام الماضي 2019، (الذي انتصرت عليه مؤخرًا، وباتت خالية منه بفضل جهود علمائها وانضباط شعبها للتعليمات الصحية والحكومة). حتى الشعوب الآسيوية مارست التمييز العنصري ضد الصينيين. ولم يقتصر الأمر عند حدود الصين، إنما تعمقت العنصرية فيما بين الدول الرأسمالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي حاول رئيسها دونالد ترامب الإتفاق مع إحدى الشركات الألمانية على إنتاج مصل مضاد للفيروس للاستئثار الحصري عليه أميركيا مقابل مليار دولار أميركي، ودون السماح بتوزيعه على شعوب الأرض، لكن القيادة الألمانية تصدت للخطوة العنصرية ووأدتها في المهد. ولم يكتفِ بذلك (ترامب) بل وصف الفيروس بـ "الصيني"، وكأنه "منتج" صيني، ومحصور بالشعب الصيني، وليس وباءً عالميًا. كما أن دول الاتحاد الأوروبي لم تتكاتف مع بعضها البعض في مواجهة الجائحة الكونية الخطيرة، وامتنع العديد منها من تزويد دول أوروبية أخرى فيها بالكمامات، وبعض المواد الوقائية لحماية شعوبها، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي؟!

وحدث ولا حرج عن العنصرية والكراهية الإسرائيلية المتجذرة في الأرض الفلسطينية العربية، التي سعى قادة دولة الاستعمار لتعميقها مع انتشار فيروس "كوفيد/19"، كما سعى رئيس حكومة تسيير الأعمال، نتنياهو لتمرير بعض القوانين العنصرية لضم الأغوار الفلسطينية، وطرح عطاءات بناء استعمارية جديدة، في الوقت الذي حال مع قرينه أدلشتاين، رئيس الكنيست في عقد جلسة للبرلمان لاختيار رئيس جديد لها بدلاً من الليكودي آنف الذكر، ولعدم التصويت لمنع تكليف نتنياهو لتشكيل حكومة جديدة، لا سيما وانه مطارد بتهم الفساد والرشوة والتحايل على القانون، بدلاً من أن يتخذ القرارات المناسبة لمجابهة الخطر العالمي، الذي انتشر بقوة في أوساط الإسرائيليين بمن في ذلك أبناء الشعب الفلسطيني المتجذرون في أرض الأباء والأجداد.

نعم توحدت البشرية ضد الكورونا، وسقطت كل البروج والمستويات والفروق وأشكال التمييز الطبقية والاجتماعية والسياسية والعمرية والإثنية والجنسية والدينية وعلى أساس اللون، لكن وحدة حال البشرية لم تطل الجميع، لأن هناك شريحة أباطرة المال والنفوذ والتسيد على العالم صموا آذانهم عن أنات ووجع الشعوب عمومًا والمرضى خصوصًا، ولم يبالوا بالضحايا. لانهم عنصريون، وغارقون في وحول البحث عن الربح والسيطرة على الآخر، ولم يغادروا مواقعهم، بل وقفوا خلف إنتاج الفيروس القاتل، وساهموا بالآعيبهم وبؤس مآلاتهم في إفناء الآلاف حتى الآن من البشر، ومن دول العالم المختلفة، وهناك عشرات الآلاف ينتظرون مصيرهم اللعين في المستشفيات والبيوت. كما انهم بجريمتهم البشعة يعملون على إلقاء الملايين من البشر على قارعة طريق البطالة، وتدمير اقتصادات الدول الفقيرة، وحتى بعض الغنية لحساباتهم الضيقة والصغيرة وعنوانها جني المال.

هذا الكابوس البشري المتمثل بالجائحة الخطيرة ( الكورونا) يستدعي من شعوب الأرض وحكوماتها ونخبها السياسية والثقافية والإعلامية والأكاديمية والاقتصادية الالتفاف حول جملة أهداف، منها: محاربة العنصرية والكراهية والاستعمار بكل اشكاله والوانه وعلى رأسها الاستعمار الإسرائيلي، والتصدي لجشع اباطرة المال، والعمل لبناء نظام عالمي جديد يقوم على ركائز الاحترام المتبادل، والعدالة الاجتماعية، والتكاتف والتعاضد بين الشعوب، وتعزيز الروابط الثقافية، لتعميق المثاقفة بين بني الإنسان، لحماية الحضارة البشرية الواحدة من خطر الأوبئة والأساطير، والخرافات الميثولوجية، والدينية والاستغلال بكل مسمياته وعنواينه، وخنق الفيروس الخطر، ومن يقف خلفه، ومن يعمل على استغلاله من خلال الإسهام الجدي في إنتاج المصل المضاد، وإنقاذ البشرية من وحول الجائحة الشريرة.

عمر حلمي الغول