ساذج من كان يعتقد في الشارع الإسرائيلي، أو في أوساط الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي ان جدعون ساعر منافس بنيامين نتنياهو سيتمكن من التغلب عليه، لا سيما وأن نتنياهو هيمن على مقاليد الأمور داخل الحزب، وفي مؤسسات الحكومة والدولة. ومع ذلك محاولة ساعر فيها شجاعة، وتمرد على الإنصياع الأعمى للرجل النرجسي، والمسكون بكرسي الحكم، الذي قاتل، ويقاتل بكل ما أوتي من عوامل الرخص، والدونية كي يبقى متربعا على عرش الحكومة.

وهذا ما أكدته المنافسة، حيث جاءت نتائج الانتخابات الداخلية على زعامة الليكود 72,5% لصالح نتنياهو، و27,5% لصالح ساعر. وهي نتيجة محسوبة من قبل نتنياهو وفريقه ومريديه لأكثر من عامل وسبب، منها اولا أن خصوم نتنياهو وأنصارهم لم يصوتوا لساعر، لا بل صوتوا ضده، لأنهم كانوا يريدون الموقع لهم، وما زالوا ينتظرون لحظة الانقضاض على الزعيم المخضب بدم قضايا الفساد؛ ثانيا كون نتنياهو وفريقه جند كل طاقات حزب الليكود والحكومة لصالحه؛ ثالثا تم تهديد أنصار ساعر بعظائم الأمور، وإرهابهم من قبل زعران رئيس الحكومة. حسب بن كسبيت المحلل السياسي لصحيفة "معاريف"؛ رابعا تم إعادة تركيب نظام الانتخابات وجهاز وآليات التصويت وفق معايير تخدم الحاكم بأمره في إسرائيل؛ خامسا تم ارتكاب مجزرة شطب أسماء أنصار ساعر، حيث حذفت واسقطت آلاف الأسماء بطرق احتيالية؛ سادسا الحملة التحريضية، التي تم تدشينها ضد ساعر، لأـنه من اصول كازاخستانية؛ سابعا تم منع مراقبي البخاري من دخول مكاتب الاقتراع ليتمكن أنصار نتنياهو من العبث بالصناديق كما يحلو لهم.

كانت النتيجة فوز نتنياهو بـ 99 صندوق اقتراع، وساعر في 7 صناديق فقط. ووقف إلى جانب رئيس حكومة تصريف الأعمال 24 نائبا من أصل الـ 32 نائبا في كتلة الليكود. وبالتالي حصد نتنياهو فوزا سهلا ومريحا وفاسدا بامتياز. وهو نفس الشيء بطرق مختلفة فعلها نتنياهو مع خصومه السابقين على سدة الليكود، ففي عام 2012 لم يحصل فايغلن إلا على نسبة 23% من الأصوات، وحصل داني دانون عام 2014 على نسبة 21% من المقترعين.

وكان جدعون ساعر تولى العديد من المناصب الحكومية، وزيرا للتربية، وللداخلية، ومستشارا، وعضو كنيست لعدد من الدورات. وكان استقال من موقعه كوزير للداخلية عام 2014، ثم عام 2019. ويعتبر من المنافسين لنتنياهو. لكن اعتقد ان المنافسة الأخيرة اطاحت به، وتركته لقمة سائغة لخصومه وخصوم رئيس الوزراء، لأن تصفية حساب نتنياهو معه، كانت بشكل مباشر تصفية حساب لخصومه ايضا، وهو ما ازاح من طريقهم منافسا قويا. وقد لا تقوم قائمة لساعر لاحقا، رغم ان رئيس الحكومة قد يقدم له جائزة ترضية من خلال إرساله سفيرا في إحدى الدول، أو يلقي له فتات عظمة يتلهى بها لاحقا، إن شاء وبقي في الحكم.

ورغم ان نتنياهو كان يبحث عن نصر سهل، كما حصل اول أمس في المنافسة مع ساعر. غير ان هذا الفوز لا يشكل إضافة لرئيس الحكومة المتهم بثلاث قضايا فساد، ولن ينقذه من دخول السجن، لأنه لن يفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة، حسب نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، والأهم لن يتمكن من تشكيل حكومة يمين إلا إذا حدثت تطورات ليست في الحسبان. وبالتالي الابتسامة العريضة وإدعاء تحقيق إنجازات في العلاقات التطبيعية مع العرب، وعلى المستوى العالمي، لن تفيده نهائيا، لأنه مطلوب من محكمة العدل العليا الرد على القضية المطروحة عليها بشأن عدم السماح له بتولي رئاسة الحكومة لاحقا، كونه فاسدا ومتهما بقضايا الاحتيال وسوء الأمانة والرشوة. والمحكمة تطالب المستشار القضائي للحكومة بمنحها جوابا، ومندلبليت يطالب المحكمة بالبت بالأمر حتى يتمكن من اتخاذ موقف. وايا كانت الذرائع الواهية للمؤسستين القضائيتين، غير انها بالمحصلة مطالبة بإعطاء جواب، والأرجح ان تقبل عدم توليه رئاسة الحكومة لاحقا.

مرة اخرى يمكن الجزم، ان ساعر الذي لا يقل تطرفا عن القابض على كرسي الحكم والليكود وإئتلاف اليمين المتطرف، لم يعد له مكان في المنافسة على زعامة الليكود، ولا نصيب في قيادة الحكومات اللاحقة.