مجرد أن تذهب اسرائيل الى انتخابات ثالثة فمعنى ذلك انها تعيش أزمة مفتوحة ربما تطول لسنة أخرى قادمة. استطلاعات الرأي تشير الى هذا الاستنتاج، اضافة الى مكابرة نتنياهو واصراره على عدم التنحي، واصرار ليبرمان على مواقفه ورفض أي طرف من غير اليمين المتطرف الدخول الى أي ائتلاف فيه نتنياهو، جميعها عوامل تؤكد استمرار الأزمة وان لا حل لها في الأفق المنظور.

في الواقع ان اسرائيل تواجه ما يواجهه أي مشروع استعماري، فبعد انتهاء الجيل المؤسس يدخل المشروع بحالة من الاضطراب وعدم الاستقرار، واسرائيل فقدت كل قياداتها التاريخية وما الموجود سوى أشخاص إما مفسدون أو غير جديرين ولا يمتلكون رؤية ذات بعد استراتيجي، فهم لم يكونوا شركاء في صياغة المغازي والأهداف لوجود اسرائيل ولم يبذلوا الجهد والعرق لبناء دولة من الصفر، انهم جيل الترف والرفاه.

ولعل نتنياهو اكبر مثال على ذلك لأنه لا يأبه للبعد الاخلاقي الذي حرص على إظهاره المؤسسون الاوائل. وبغض النظر ان فكرة وجود اسرائيل على حساب الحق الفلسطيني هي فكرة غير أخلاقية أساسا، فان القادة التاريخيين حرصوا على اعطاء الانطباع بان لدى إسرائيل نظاما سياسيا ديمقراطيا شفافا. نتنياهو حطم هذه الصورة، وهو يصر على تحطيمها وجعل السياسي الفاسد أمرا مقبولا، وبهذا المعنى فإن اسرائيل الاولى، التي أرادها المؤسسون نموذجا، تنتهي اليوم.

ان قدرة نتنياهو على اطالة بقائه على رأس القمة، لا يعود فقط لشطارته البهلوانية وقدرته على محاكاة غرائز الجمهور اليهودي، وانما لغياب القادة المُقْنِعين والأقوياء. والى جانب هذا الغياب هناك تطورات اقتصادية اجتماعية نتيجة الليبرالية الاقتصادية التي ينتهجها نتنياهو والتي غيرت نظرة المجتمع متطلباته، فانتقل من مجتمع شبه اشتراكي الى مجتمع رأسمالي، ورأسمالي متوحش، وبهذا المعنى لم تختفِ القيادة التاريخية وحسب، وانما اختفى معها الشكل الاجتماعي الأول، فاليوم نحن أمام اسرائيل الثانية، وهذه مختلفة من حيث التركيبة الاجتماعية والاقتصادية وبالطبع الفكرية والنظرة للنظام السياسي.

اسرائيل تعيش مرحلة انتقالية، ومن هنا منبع الأزمة، ومنبع عقدتها المستعصية، لذلك هي أزمة مرشحة أن تطول.