عندما يقع المناضل او المقاتل في الأسر، ويدفع الجميع الى قلب رحى المعاناة، التي ستصبح قاسما مشتركا لجميع المناضلين والمقاتلين على تنوع انتماءاتهم ومشاربهم السياسية، فهناك في زنازين معتقلات الاحتلال الاسرائيلي تنصهر النظريات والمفاهيم والبرامج السياسية، ويعاد تكوينها، وتنحت وتخط برؤية وطنية خالصة، فيجسد الوطني الذي اخلص وأوفى قسم الانتماء لفلسطين الوعي والانتماء الوطني بأجمل واحسن صوره، ويتم تحويل مبدأ الوحدة الوطنية من مجرد خطاب سياسي ونظرية وتعبئة سياسية وتثقيف وطني الى حقيقة مادية هي اقرب خلايا الدماء في شرايين واوردة جسد الانسان التي تهب لحماية الجسد عند تعرضه لأي خطر أيا كان شانه وحجمه وشدته وقوته أو مصدره، وهذا حال الوطنيين الحقيقيين الذين اعتبروا تنظيماتهم وفصائلهم سبيلا وطريقا للحرية والتحرير، وسبيلا لاستقلال الوطن، وتحقيق الاهداف الوطنية للشعب الفلسطيني، أما من لوث دماغه بفيروسات التخوين والتكفير، وشُحِن بمفاهيم وتعاميم جعلته مخزنا للكراهية والعدائية للآخر في الوطن، وجهزته ليكون اداة آلية تدار بريموت كونترول مستخدمي الدين، ثم هيّء لارتكاب جريمة سفك دماء شقيقه الفلسطيني، والتمثيل بجثته وتقطيع اطرافه واطلاق الرصاص على مفاصله وهو يصرخ الله اكبر، فهذا سيبقى خطرا شديدا على المجتمع والنظام والقانون والشعب وحركة تحرره الوطنية وعلى القضية، وعلى القيم والأخلاق حتى لو كان لتوه خارجا من حرب طاحنة مع الاحتلال، او من زنزانة الأسر حتى لو قضى فيها عقودا، فالأصل أن المقاتل والمناضل من أجل الحرية والاستقلال فانه قد يقطع يده التي سيضغط بها على الزناد اذا صدرت له الأوامر باطلاق الرصاص على رأس أو صدر او ركبة شقيقه الفلسطيني أو سولت له نفسه المعقدة المأخوذة بالمحرف والمزيف والمزور من تعاليم الدين بارتكاب جريمة ستحسب تاريخية، فكل الجروح في الأشياء يمكن تسويتها او تغطيتها او اعادتها الى طبيعتها إلا جروح الجسد فان علامتها تبقى شاهدا على الجريمة وعلى مفاعيلها في قلب ونفس ومجتمع الضحية القريب والبعيد.
يصير الأسير قبل وبعد تحريره واحدا من اعمدة مدرسة بناء الوعي الوطني، مادام قد دخل معترك الكفاح والنضال ملتزما بمبادئ وطنية، لكن ستحل المصيبة بالخطوط الحمراء وباقدس ما لدينا (الشهداء والأسرى) كما وصفهم الرئيس محمود عباس قائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية رئيس الشعب الفلسطيني، ستحل عندما يسمح واحد من الأسرى او المحررين لنفسه أن يعصي قيم ومبادئ الحركة الوطنية الأسيرة ويتحول الى (عصا غليظة) في يد جماعة حماس الانقلابية، أو لمجرد كومبارس يقدم خدمات دعائية لتحقيق اهداف سياسية رخيصة، اذ يكفي تقرير اعلامي منحاز ومفبرك في محطة فضائية مشهورة ليأخذه اعداء حركة التحرر الوطنية كمبرر لحشد راي عام ضد السلطة وتبديد صورة صمود القيادة امام ضغوط دولة الاحتلال المدعومة بضغط ادارة ترامب الأميركية اللامحدود.
لايحتاج الأسير المحرر للمطالبة براتبه، لأن القيادة ومؤسسات السلطة الوطنية المختصة تعتبر تأمين رواتب الشهداء والأسرى اولوية لاتتقدم عليها حاجة مهما كان شأنها، فهذا حق مؤمن في قوانين السلطة الوطنية مادام صاحب الحق ملتزما بالقوانين والقرارات الصادرة عن جهات الاختصاص وتحديدا القضائية، أما الذي يناصر (جماعته الاخوانية) بالباطل على حساب القانون وقرارات القضاء، فانه يسلك سبيل ابتزاز ضيق وضعيف ومكشوف ووعر، وعليه الانتباه والتيقظ وابقاء ضميره في موقع الحكم الوطني، اذ ليس مقبولا على الاطلاق أن يدافع هذا الأسير المحرر عن فساد حماس الذي منحته رتبة عليا لايستحقها عندما استلمت زمام الحكومة بعد الانتخابات، ثم يناصرها في انقلابها على الشرعية، ولم يدخر جهدا في مؤازرتها للانخراط في هذا الانقلاب وتوسيع رقعته الجغرافية، ثم يغمض عينيه ويقفل على بصيرته حتى لا يرى الدمارالهائل والإضرار الفظيع الذي الحقته جماعته بالقضية الفلسطينية بسبب فصل غزة عن الوطن جغرافيا وسياسيا، ثم نراه يطلب راتبا من سلطة وطنية فلسطينية تنعتها جماعته (حماس) بالخائنة والعميلة لدولة الاحتلال الناقصة (اسرائيل)، ويطالب رئيس السلطة الوطنية باعادة راتبه المقطوع ، رغم ان جماعته (حماس) قد قررت انه فاقد للشرعية في مسرحية كتلتها الهزلية في التشريعي (المنحل اصلا) مستعينة بكومبارس من شواخص دحلان لتنهيها في مشهد مثير للسخرية من تدني عقل المؤلف والمخرج والمنتج حتى.
جاء الجندي في الأمن الوطني اسامة ابو نحل المبتورة ساقه بفعل رصاص مسلحي حماس المطلوق من مسافة صفر على ركبته منذ العام 2007 ليقول للمجموعة المعتصمة في ميدان الشهيد ياسر عرفات: "قولوا لجماعتكم أن يعيدوا لي ساقي المقطوعة" فسبق انحيازهم لجماعتهم الاخوانية الشخصية الوطنية التي يكونها كل أسير ومحرر في مدرسة الالام والنضال في الزنازين، وطرح انتماؤهم للجماعة الانتماء الوطني بالضربة القاضية قبل انقلابهم السريع على المطالب باعادة ساقه المقطوعة بفعل جريمة (اخوانهم الانقلابيين).
خلقنا بعينين اثنتين، وجعل الله لنا القدرة ليس لرؤية ما فوقنا وما تحتنا وما على يميننا وما على يسارنا وفي كل الاتجاهات وحسب، بل تبصرها وادراك اسرارها وأبعادها، وأوحى الينا بأن الحق لايجزأ، ولا يقاس بمعيارين، فإن كان للأسير المحرر المعتصم حق في راتبه المقطوع، فإن لاسامة أبو نحل– كرمز لحالة عشرات الجنود والضباط في قوات الأمن الوطني الفلسطيني- حق السؤال: "وما عن حقي باعادة ساقي المقطوعة الى جسدي؟".
نريد اعادة صورة الوطن غير مبتورة، لا قطيعة بين ابنائه، ولا قاطع طريق يغتصب أمن الناس واستقرارهم، ويودي بمستقبلهم الى التهلكة، نريد عودة الى البيت الوطني، الانفكاك عن القوى الاقليمية العاملة على تفريقنا وتقطيعنا من شجرتنا الأم (الوطن)، ربما يفلح هؤلاء ولكن ليس قبل تحويل قلوبنا الى حطب، وضمائرنا الى دخان اسود.