تستندُ "العَولَمةُ" إلى شموليّةِ الاقتصادِ وعدمِ اعترافِهِ بالحدودِ أو المسافاتِ، ورغمَ أنَّ المستفيدَ الأكبرَ من هذهِ الظاهرةِ الفتيّةِ نسبيّاً هي الشركاتُ والاحتكاراتُ الغربيةُ الكبرى، فإنَّ أصحابَ نظريةِ العولمةِ فكراً وتطبيقاً هم أنفسُهم من يتراجعُ اليومَ عن الالتزامِ بتطبيقِ شعارِهم الذي استخدموه في البدايةِ للترويجِ للحقبةِ الجديدةِ، وهو شعارُ "حريّةِ تنقّلِ الأشخاصِ والبضائعِ والأفكار". هكذا تسارِعُ أمريكا إلى فرضِ الرّسومِ على الوارداتِ من مختلفِ دولِ العالمِ، وفي مقدّمتِها الصّينُ - الدّولةُ التي أتقنت استخدامَ العولمةِ للانتقالِ باقتصادِها ليصبحَ ثاني اقتصادٍ في العالمِ، والوحيدَ القادرَ على منافسةِ الاقتصادِ الامريكيِّ ومزاحمتِه على المركزِ الأوّل. وبذلكَ تكون الدّولُ الغربيةُ قد وقعت ضحيّةً لجشعِ شركاتِها التي ظنّت أنَّ العولمةَ يمكنُ ضبطُها لتخدمَ مصالحَها فقط، ظنّاً منها أنّها قناةٌ تعملُ باتّجاهٍ واحدٍ يضمنُ تسويقَ منتجاتِها وخدماتِها ولا يسمحُ لمنافسيها باستخدامِ القناةِ ذاتِها ولكن لأهدافٍ معاكسةٍ لمصالحِ الاقتصادِ الغربيّ.

 

لا تنطبقُ قوانينُ العولمةِ على الحالةِ الفلسطينيّةِ، فدولةُ الاحتلالِ والاستيطانِ هي التي تتحكّمُ بتنقّلِ الأفرادِ والبضائعِ حتّى بين مدينةٍ فلسطينيّةٍ وأخرى، وهي بذلكَ تسعى إلى الاستفادةِ من الاحتلالِ ليكونَ قناةً باتجاهٍ واحدٍ تستغلّها، إضافةً إلى أهدافِها السياسيّةِ، لترسيخِ هيمنتِها الاقتصاديّةِ السّاعيةِ إلى الإبقاءِ على فلسطينَ سوقاً لمنتجاتِها يُمنعُ عليها تطويرُ اقتصادِها حتّى لا يكونَ منافِساً حقيقيّاً للمنتجاتِ الإسرائيليّةِ. وبذلكَ يُنتِجُ الاحتلالُ وضعاً شاذّاً لا تتساوى فيه الفُرَصُ ولا الأسعارُ، تماماً مثلما لا تتساوى فيه الحقوقُ السياسيّةُ، رغمَ سيطرتِهِ الفعليّةِ على كاملِ فلسطينَ التاريخيّة. هذه هي الأرضيّةُ الخصبةُ لتنامي ظاهرةِ التّهريب بصفتِهِ محاولةً لاستغلالِ الحالةِ الفلسطينيّةِ الاستثنائيةِ بكلِّ ما فيها من فقدانٍ لمعظمِ أدواتِ السيادةِ على الأرضِ والمعابرِ الخارجيّةِ والحُدودِ مع الجوار. وعلى الرّغمِ من كلِّ ما سبقَ لا بدَّ من تقديرِ الدّورِ الذي تقومُ بهِ الأجهزةُ المختصّةُ بالحفاظِ على "الأمنِ الاقتصاديّ" بصفتِهِ جزءاً من الأمنِ الوطنيّ والاجتماعيِّ الفلسطينيّ، وهذا هو واجبُها.

 

التهريبُ، وبغضِّ النّظرِ عن السّلعةِ التي يتمُّ تهريبُها، هو وقبلَ كلِّ شيءٍ تطاولٌ على القانونِ واستقواءٌ بالاحتلالِ الذي يغضُّ الطرفَ عنهُ طالما ظلَّ في حدودِ خدمةِ اقتصادِ العدوِّ والإضرارِ بالاقتصادِ الفلسطينيِّ، فثقافةُ تجاهلِ السّلطةِ بمعناها القانونيِّ تشكّلُ تجاوزاً لحُلمِ شعبِنا بممارسةِ حقّهِ الطبيعيِّ بالتحكّمِ بشؤونِهِ الخاصّةِ، وهي أيضاً تعبيرٌ عن أنانيّةٍ مفرطةٍ ورغبةٍ بالكسْبِ غيرِ المشروعِ على حسابِ الوطنِ والمواطنِ، فحرمانُ السّلطةِ وأجهزتِها من جبايةِ الضرائبِ هو اعتداءٌ على حقِّ المواطنِ العاديِّ بالحصولِ على الخدماتِ الضروريةِ التي تشكّلُ الضرائبُ مصدراً حيويّاً من مصادرِ تمويلِها. كما أنَّ تهريبَ الحيواناتِ أو المنتجاتِ الغذائيةِ كاللحومِ وغيرِها دونَ خضوعِها للرقابةِ الصحيّةِ هو جريمةٌ قد تودي بحياةِ المُستَهلكينَ الغافلينَ عن مَصدَرِ تلك المنتجاتِ. علاوةً بالطبعِ على خطورةِ تهريبِ منتجاتِ المستوطناتِ، وهي جريمةٌ ترقى إلى الخيانةِ الوطنيّةِ. ولا يتّسعُ المجالُ هنا للحديثِ عن الإجراءاتِ التي يجبُ اتخاذُها لمقاومةِ ظاهرةِ التّهريبِ، فليس هناكَ ما يبرّرُ هذه الظاهرةَ مهما كانت ذرائعُ المهرّبينَ التي يتستّرونَ خلفَها لتبريرِ جرائمهم بحقِّ الوطنِ والمواطن.

 

*التّهريبُ خطرٌ على الاقتصادِ وتطاولٌ على القانونِ وسرقةٌ للحقِّ العامِّ، وهو اعتداءٌ على حقِّ المواطنِ بالحصولِ على ما يحتاجهُ من سِلَعٍ وخدماتٍ عبرَ قنواتٍ رسميّةٍ تضمنُ رقابةً فعّالةً كفيلةً بحمايتِهِ من الأمراضِ وتوفّرُ لهُ ما يستحقُّهُ من الخدماتِ الآمنةِ والمنتجاتِ ذاتِ الجودةِ العاليةِ.

 

١٧-١١-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان