لو كانَ لمَثَلٍ واحدٍ أن يجسّدَ كلَّ معاني الاعتمادِ على النّفْسِ وأهميّةَ العاملِ الذّاتيِّ في بناءِ الوطنِ وضمانِ سلامتِهِ ومستقبلِهِ، لكانَ هو ذلكَ المثلُ الشعبيُّ الفلسطينيُّ البسيطُ: "ما بِحْرُث الأرض إلا عجولها". هذه هي خلاصةُ التجربةِ الفلسطينيّةِ التي يساوي عُمرُها عُمرَ التّاريخِ. وإذا كانت العجولُ الغريبةُ لا تحرثُ أرضاً فإنّها بالتأكيدِ لا تُسمِنُ ولا تُغني منْ جوعٍ، فلا شيءَ يوازي بقيمتِهِ ما تعطيهِ لنا الأرضُ من خيراتٍ وما يقدّمهُ العاملُ والتّاجرُ الملتزِمُ بمصلحةِ وطنهِ من منتجاتٍ وخدماتٍ ستؤدّي تدريجيّاً إلى توفيرِ شروطِ ومتطلّباتِ الاكتفاءِ الذّاتيِّ والاعتمادِ على الذّاتِ وانتزاعِ استقلاليّتِنا الاقتصاديّةِ من براثِنِ المستحيلِ رغمَ أنفِ الاحتلال.

 

كيف يمكنُ لنا أن نفهمَ قرارَ الحكومةِ الفلسطينيّةِ بإغلاقِ الأسواقِ الفلسطينيّةِ في وجهِ استيرادِ العُجولِ منْ دولةِ الاحتلالِ والاستيطانِ الإسرائيلي؟

 

أوّلاً: هناكَ عملٌ دؤوبٌ وصامتٌ تقومُ بهِ الحكومةُ الفلسطينيّةُ لتعزيزِ الاقتصادِ الوطنيِّ والفكاكِ التّدريجيِّ من شبكةِ العلاقاتِ الاقتصاديةِ معَ دولةِ الاحتلال. وفي هذا السّياقِ يجبُ التّنويهُ إلى ضرورةِ وضعِ المواطِنِ الفلسطينيِّ في صورةِ الخطواتِ التي تتخذهُا الحكومةُ لأنّ ذلكَ يعزّزُ من ثقتِهِ بعملِ الحكومةِ وبجدوى هذهِ الخطواتِ، ويحصّنُهُ في وجهِ محترفي تسويقِ الشائعاتِ والأكاذيبِ. وفي حالةِ أزمةِ "العُجولِ" فلولا احتجاجاتُ المتضرّرينَ الإسرائيليّينَ وتهديداتُ "المنسّقِ" الجوفاءِ لما وصلَ هذا القرارُ الموجِعُ للمحتلِّ إلى الرأيِ العامِّ الفلسطينيِّ. أمّا وقدَ وصلَ فلا بدَّ من توفيرِ الدّعمِ الشّعبيِّ لهُ والدفاعِ عنهُ ولو بنفسِ القَدْرِ الذي تنطّحَ بهِ الشتّامونَ لمهاجمةِ قرارِ استيرادِ صنفٍ معيّنٍ من الزّيتونِ منَ "الجانبِ الآخر".

 

ثانياً: معركةُ الخلاصِ من التبعيّةِ الاقتصاديّةِ لدولةِ الاحتلالِ معركةٌ طويلةٌ ومعقّدةٌ لن تنتهي إلا بتحقيقِ الاستقلالِ الوطنيِّ التامِّ والتخلّصِ من الاحتلالِ بكلِّ أشكالِهِ وتبعاتِه. ولأنَّ المعركةَ طويلةٌ لا بدَّ من إدارتِها بنَفسٍ طويلٍ سواءً من قِبَلِ الحكومةِ أو المواطنِ، فلا حاجةَ للقولِ إنَّ عمليةَ إيجادِ البديلِ الوطنيِّ أو العربيِّ للمُنتَجِ الإسرائيليِّ هي جزءٌ من عمليةِ تراكميّةٍ طويلةٍ لبناءِ أسُسِ الدّولةِ الفلسطينيّةِ وليستْ منفصلةً عنها. ومثلما يجبُ تعميمُ ثقافةِ المقاومةِ لانتزاعِ حقوقنا السياسيةِ لا بدَّ من دعمِ ذلكَ بتعزيزِ الحصانةِ الاقتصاديةِ ورفعِ مستوياتِ الانتاجِ الوطنيِّ كمّاً ونوعاً، إضافةً إلى تعميمِ ثقافةِ الاستعدادِ للتّصدي للإجراءاتِ الإسرائيليةِ المضادةِ وتعزيزِ متطلّباتِ الصّمودِ أمامَها.

 

ثالثاً: العلاقةُ الاقتصاديّةُ مع دولةِ الاحتلالِ هي علاقةٌ مُجحِفةٌ بحقِّ شعبِنا، لكنّها ليست قدَراً محتوماً، ومن يشكّكُ بإمكانيةِ الخلاصِ من التبعيّةِ الاقتصاديّةِ للاحتلالِ فهو بلا أدنى شكّ لا يثقُ بقدرةِ شعبِنا على انتزاعِ حقوقِهِ السياسيّةِ وأوّلها كنسُ الاحتلالِ والاستيطانِ وتحقيقُ الاستقلالِ الوطنيِّ الكامل. ورغمَ اختلالِ ميزانِ العلاقاتِ الاقتصاديةِ معَ المحتلِّ على حسابِ شعبِنا فقد أثبتت أزمةُ "العُجولِ" الإسرائيليّةِ أنَّ الاقتصادَ الإسرائيليَّ أيضاً يعاني من "التّبعيةِ" للسّوقِ الفلسطينيِّ. ماذا تعني هذهِ التّبعيّةُ النسبيّةُ لاقتصادِ العدوِّ وارتباطُهُ بالمُستَهلِكِ والمُستَورِدِ الفلسطينيِّ؟ نستطيعُ بكلِّ شجاعةٍ أنْ ندعو إلى استغلالِ تلكَ "التّبعيّةِ" وتوظيفِها من أجلِ تحقيقِ أهدافٍ سياسيّةٍ واقتصاديّةٍِ آنيّةٍ، واذا كانت معركتُنا مع المحتلِّ طويلةً كما نعرفُ فلا ضَيْرَ من التركيزِ على تحقيقِ إنجازاتٍ مرحليةٍ عبرَ استخدامِ العلاقةِ مع اقتصادِ دولةِ الاحتلالِ كورقةِ "مساومةٍ" يمكنُ استخدامُها لفَرضِ تنازلاتٍ محدّدةٍ على العدوِّ تخدمُ بمجملِها التّوجُّهَ الوطنيَّ العامَّ بالتخلّصِ من الاحتلال.

 

*لقد صَمَدَ شعبُنا بنصفِ راتبٍ تسعةَ أشهرٍ دونَ أن يُفْرِحَ العدوَّ بقَولِ "آخ"، ولم يَصِمدْ المستوطنونَ -عبيدُ مزارعِ العُجولِ- إلّا قليلاً أمامَ الحَظرِ الفلسطينيِّ على منتجاتِهِم. ماذا لو قُلنا لحكومةِ الاحتلالِ (على سبيلِ المثالِ): قد نخفّفُ منْ قيودِ الحظرِ على استيرادِ عُجولِكم إذا أوقفتُم القرصنةَ على أموالِ المقاصة بشكلٍ كامل؟

 

١٣-١٠-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان