خاص مجلة القدس/ الاصدار السنوي العدد 344 كانون الثاني 2018

حوار: وليد درباس

من رمادِ النكبة خرجت شعلةُ انطلاقة أعرقِ حركة تحرُّر فلسطيني عرفها التاريخ. وعلى مدى سنوات الثّورة والكفاح، ضمَّت صفوف "فتح" مناضلين ومناضلاتٍ تميَّزوا بعملهم وعطائهم في مختلف الميادين رغم المحطّات الصعبة والمنعطفات الخطرة التي عرفتها الثورة، ومن أبرزهم عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ومسؤولة فرع لبنان، آمنة سليمان، أو كما تُحبّ أن يعرَّف عنها "مناضلة من بلادي"، والتي كان لنا في مجلّة "القدس" شرف هـذا الحوار معها، بمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لانطلاقة الثورة الفلسطينية.

ما هي المكوّنات النسوية التنظيمية والمجتمعية لاتحاد المرأة، ارتباطًا بكونه قاعدةً من قواعد "م.ت.ف" في الوطن والشتات؟ وإلى أي مدى حافـظ على وِحدته الوطنيّة؟
أوّد في البداية أن أُوجِّه تحيّة النّضال والمحبّة والاعتزاز لأهلنا المنتفضين، الصامدين، الصابرين، المدافعين عن حقِّهم في وجودهم على أرضهم بإرادتهم التي لم تُكسَر وعزيمتهم التي لن تلين لإسقاط إعلان ترامب المشؤوم والجائر ضدَّ شعبنا الفلسطيني بكلِّ مكوّناته، ونسأل الله تعالى الرحمة لشهدائنا الأبرار، والحُريّة لأسرانا الأبطال، والشفاء العاجل لجرحانا البواسل.
لا شكَّ أنَّ المرأة الفلسطينية مكوّنٌ أساسيٌّ في المجتمع الفلسطيني، إذ ارتبـطَ نضالها بمواجهة الانتداب البريطاني لفلسطين، وسياسات الاحتلال الكولونيالي الصهيوني، من خلال أشكال كفاحية متنوّعة، وبعيدًا عن الاستفاضة بذلك، فقد تبلور كفاحُ الفلسطينيات ككينونةٍ وطنيّةٍ وباتَ أشـد تماسكًا ورسوخًا وعطاءً مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وتأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، حيثُ كانت للمرأة محطّاتٌ ووقفاتٌ مشهودٌ لها، وليس من فراغ أن قال في وَصفِها الرئيس الرمز الشهيد أبو عمّار "المرأة حاميةُ نارِنا المقدسة"، فهي شاركت في القتال، واعتُقِلَت، واستُشهِدت، واعتلت المنابر الإقليمية والعالمية دفاعًا عن الحق الفلسطيني، ومن أجل دحـر الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
بالنسبة لاتحاد المرأة، فهو بصفته تنظيمًا جماهيريًّا ديمقراطيًّا نَسويًّا فلسطينيًّا، وقاعدةً من قواعد "م.ت.ف"، يتَّسـع للمكونات النسوية الفصائلية. وفي العام 2008 عقدَ الاتحاد مؤتمره العام الخامس في مدينة رام الله في فلسطين، وتمخَّضت عنه أمانةٌ عامّةٌ ومجلسٌ إداريٌّ على صعيد الوطن والشتات، وباتَ لديه عددٌ كبيرٌ من الفروع في البلدان العربية وبعض الدول الأجنبية، وتحت مسمَّيات مختلفة، وعلى الدوام نحثُّ المرأة عمومًا والأطر النسوية للانخراط تحت لافتة الاتحاد، علمًا أنَّ الاتحاد في فلسطين يُشكِّل مظلّةً للغالبية العظمى من الأُطر النسوية وعلى اختلاف مشاربها، وهنا يُهِمُّنا أن نؤكِّد ضرورةَ استعادة الوحدة الوطنية في إطار "م.ت.ف"، ما يسمح حينها بانضواء الأطـر النسوية كافّةً، ممَّا يؤهل الاتحاد حينها ليكون بحَقٍّ نقابةً فلسطينيةً ومن أنشـط الاتحادات. وعطفًا على ذلك، لا بد من الإشارة إلى أنَّ فرع الاتحاد في لبنان اكتسبَ طابعًا مُتميِّزًا واستثنائيًّا بفعل خصوصية الوجود الفلسطيني، ارتباطًا بانطلاقة الثورة الفلسطينية- انطلاقة حركة "فتح" المسلّحة- من جهة، والظروف الصعبة التي طبعت حياة أهل المخيَّمات بمراحل لاحقة من جهة ثانية. وبالطبع يوجد عملٌ تشاركيٌّ واسـعٌ، وفي الوقت ذاته هناك نشاطٌ يشمل جميع المنظَّمات النسوية، ومردَّه وفق قناعتنا أنَّنا نُواجه عدوا شرسًا، لديه مخطَّطات لتصفية القضية الوطنية وإنهاء حقّ اللاجئين، والعمل على تدمير أوجه الحياة الفلسطينية كافّةً، ومشاريعه متنوعة وملتوية وخفية، والمرأة كما الشعب الفلسطيني متضرِّرة من هذه السياسات والانتهاكات، ما يستدعي من جميع الأطر النسوية والفصائلية تجاوزَ التباينات والتوحُّد لمواجهة التناقض الرئيس المتمثَّل بالعدو الإسرائيلي ومشاريعه المشبوهة.

كيف يُترجِـم الاتحاد دورَه في استنهاض ومساندة أهل المخيَّمات في قضاياهم وحاجاتهم الحياتية، على اختلاف تصنيفاتها؟ ومن هي الفئات التي يستهدفها؟
بكلِّ تُواضعٍ نستطيع القول إنَّ الاتحاد العام للمرأة استجابَ للوضع الاجتماعي المعيشي الصعب الذي يعاني منه شعبنا في جميع المخيَّمات والتجمُّعات، بهدف تخفيف معاناتهم، ومن هنا يعمل اتحادنا على تضمين أجندته برامجِ ذات صلة بمهام المساعـدة والمساندة والتأهيـل، ومنها ما يستهدف المرأة توخيًّا لتمكين قدراتها وتعزيز مكانتها القيادية في الأُطُر التنظيمية والمشاركة السياسية، والعمل في اللجان الشعبية، وقد نظَّمنا العديـد من ورشات العمل حول "مناهضة العنف ضد المرأة"، وأخرى في مجال التربية والتعليم بتنسيق ودعم من مؤسّسـة "التعاون"، ونحن على قناعة تامّـة وراسخـة أنَّـه بقـدر ما تكون المرأة متمكِّنةً تكون قـادرةً على تربية أبنائها، وبناء أُسرَتها بشكل سـوي وسليم.
من ناحية ثانية، لدينا في الاتحاد برنامج "حماية الطفولة" وبرنامج "التعليم لمرحلة ما قبل المدرسة" بدعم من "اليونيسيف" من خلال تأسيسنا لـ(15) روضة أطفال، ولدينا برامج تربوية، ومعلِّماتٌ ومربِّياتٌ ذوات خبرة وكفاءة، كما تنفرد بعضُ رياض الأطفال عن سواها بوجود حضاناتٍ لأطفال الأُمَّهات العاملات، وقد رمَّمنا بتمويل من مؤسسة التعاون ثلاث رياض في مخيَّمي صبرا وبرج البراجنة في منطقة بيروت وتجمُّع المعشوق في منطقة صور، وعَمِلنا بالتعاون مع جمعية "أنيرا" على برنامج المهارات الحياتية. وإلى جانب ما سبق، هناك برامجٌ للتدعيم الدراسي بدعم من "اليونيسيف" وإشراف ومتابعة أرض "الإنسان إيطاليا"، وتستهدف الأطفال في فئة ما قبل مرحلة المدرسـة، الذين يعانون من صعوبات تعلُّميّة، علاوةً على برامج التدعيم النفس اجتماعي التي يُنفِّذها أخصائيون في مراكز التربية المختصة للأطفال الذين يعانون من جميع أشكال القصور، وبعض الحالات نُحوِّلها لمتابعة العلاج في العيادات التخصصية الخارجية بحال تعذَّر العلاج من طرفنا. قد تبـدو هذه العملية من بعيد سهلة، ولكنَّها بحاجة إلى متابعةٍ يوميةٍ وآلياتٍ محدَّدةٍ، وتستغرق وقتًا، وتستنفذ قدرًا من الإمكانيات الخاصة بعملنا.
وبسبب ندرة فرص العمل للشباب الفلسطينيين في لبنان، وارتباطًا بالظروف المعيشية الصعبة لعموم أهلنا وخاصّةً هذه الفئة، وبينهم حمَلَة شهادات جامعية ومعاهد عليا، أدخلنا على أجندة الاتحاد "برامج القروض" من خلال توفير الدعم والتمويل من "اليونيسيف، و"جمعية العون الطبي البريطاني"، و"منظمة العمل الدولية" و"صندوق الاستثمار الفلسطيني" المدعوم من فخامة رئيس دولة فلسطين محمود عبّاس. وبتفصيل أكثر يُنفِّذ الاتحاد برنامج "القرض الدوَّار" بدعـم من "اليونيسيف"، ويستهدف الفلسطينيين المقيمين في مخيَّمات منطقة صيدا وصور، و"قرض المهن للشباب" المموّل من "منظمة العمل الدولية"، ويستهدف الفلسطينيين في عين الحلوة، وفي وقت لاحق تحوَّل لمساندة الطلبة الجامعيين، وثالثهما "قرض جمعية العون الطبي البريطاني" ويخصُّ الفلسطينيين في الشريط الساحلي في الجنوب، وآخرها، "القرض التنموي الفلسطيني" ومصدره "صندوق الاستثمار الفلسطيني"، ويستهدفُ الفلسطينيين في مخيَّمات صيدا، والبقاع، وبيروت، ومشاريع القروض هذه تهدف لتوجيههم لتأسيسِ مشاريع إنتاجية صغيرة، تَقِيهم الحاجة والعوز، وتؤمِّن لهم العيش الكريم، وهناك بالفعل قصص ناجحة انعكس مردودها على أصحابها بشكل إيجابي، تجلّى بسلوكهم وأسلوب حياتهم، وبينهم آخرون تمكَّنوا من تأسيس مشاريع إضافية، ووفَّروا كذلك فُرَص عملٍ لسواهم من الفلسطينيين، وهذا نُقدِّره ونُشجِّع القيِّمين على توفير فرص جديدة تُمكِّنهم من الحصول على أكثر من دفعة من القروض بحال أرادوا ذلك، وعطفًا عليه كان لقروض "صندوق الاستثمار" المدعوم من فخامة الرئيس محمود عبّاس نسبةٌ كبيرةٌ من النجاح وصلت إلى 97%، وهناك إقبالٌ فلسطيني عليها، والكثير من العائلات المقترِضة تحسَّنت أحوالها وزادت مداخيلها واستطاعت أن تُوفِّر التعليم لأبنائها وتُحقِّق الاكتفاء الذاتي.

تُوصَفُ الفلسطينياتُ بأدبيّاتنا بأنهنّ متفانياتٌ، مُضَحّياتٌ، قدَّمن وما زلن يُقدِّمن ولا يبخلن أو يتردّدن، حيث اقتضى الواجب دفاعًا عن شعبنا وفي سبيل القضية الوطنية، فهل ترتقي المواقع التي وصلت إليها المرأة إلى العطاء الذي قدَّمته؟
تسعى المرأة وبشكلٍ دائمٍ لإثبات حضورها، وأعتقـدُ أنَّها لم تصل لتحقيق طموحاتها في موضوع المشاركة بصنع القرار، لوجود عوائق كثيرة، أبرزها المرجعيات السياسية التي لا تساند المرأة بشكل فاعل ودائم لتفعيل مشاركتها في صنع القرار، وهناك مشاريع قرارات لصالح المرأة لم تُقَر في المجلس التشريعي الفلسطيني بحكم تعطُّله جرّاء الانقسام الداخلي. نحنُ نتطلَّع إلى الأمام وبأمل كبير لاستعادة الوحدة الوطنية لنتمكَّن من مواجهة التحديات والأخطار التي تواجه شعبنا. وكان للأمانة العامة في الاتحاد جولة على الأمناء العامين للتنظيمات والأحزاب في فلسطين بهدف توفير المساندة الحقيقية من خلال تنظيماتهم لجانب حقوق المرأة والمنضويات في الأطر النسائية بشكل خاص، لأنَّنا ندرك أنَّه إذا لم يتوفـَّر الدعـم الداخلي للمرأة فلن تكون هناك مشاركة واضحة وفاعلة للنساء تُمكِّنهن من العمل في كافة المجالات، رغم أنَّ السلطة الوطنية صادقت على اتفاقية القضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة، والمجلس المركزي الفلسطيني أيضًا أقـر كوتا للمرأة بنسبة 30%، لكن للأسـف لا توجد مواءمة بين القوانين والواقع الذي تعيشه الفلسطينيات، وما زلن بحاجة للنضال الدائم من أجل تكريس دورهن وحضورهن كمواطنات لهن الحـق بالمشاركة الكاملة.

في الذكرى الـ53 لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، انطلاقة حركة "فتـح"،كيف تصفين واقعها وأداءها، وما هي رسالتكم لأبناء الحركة وعموم شعبنا الفلسطيني؟
الوضع صعبٌ وخطيرٌ بسبب طبيعة العدو الصهيوني المبنية على سياسة التطهير العرقي، وجرّاء تهرُّب الشرعية الدولية من مسؤولياتها تجاه شعبنا وتنفيذ قراراتها ذات الصّلة بالقضية الفلسطينية، والانحياز المكشوف للسياسات الأمريكية لجانب (إسرائيل)، وآخرهـا قـرار الرئيس الأمريكي ترامب بشأن القدس، وهو قرارٌ عنصريٌّ إرهابيٌّ لا يطال الفلسطينيين وحدهم، بل والأُمّة العربية الإسلامية والمسيحية والشرعية الدولية بما تُمثِّل، وعليه فإنَّ حراك الشعوب العربية والأجنبية وأحرار العالم ضدَّ القرار، لم يرقَ لمستوى الحدث، ما يستدعي تفعيل هذا الحراك بمبادرات وخُطط عمل واضحة ومحدَّدة لمواجهة التحدّيات بما في ذلك تعزيز المقاطعة السياسية والثقافية والاقتصادية بكافة أشكالها.
وعليه يبقى الرهان الأساسي في المواجهة على شعبنا الفلسطيني، المؤمن بعدالة قضيته وقوّة حقه، وعلى تمسُّكه بثوابته الوطنية، والتفافه حول الشرعية ممثَّلةً بفخامة الرئيس محمود عبّاس. إنَّ دماء الشهداء وصمود الأسرى في معتقلات الاحتلال والحفاظ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل الذي قضى دونه الشهداء وعلى رأسهم الشهيد الرمز الشهيد ياسر عرفات كفيلٌ بمواجهة المشاريع التآمرية وإسقاط قرار ترامب العدواني باللحم الحي، والحجارة، والمولوتوف، والسكين، والمقاومة الشعبية وجميع أشكال النضال الكفيلة بدعم حقوق شعبنا الوطنية وتحقيق الاستقلال.
لذا رسالتي لأبناء شعبنا وأخوتي وأخواتي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني هي "الاستمرار في المواجهة". فـ(إسرائيل) تحاول بين الحين والآخر إيجادَ وقائع جديدة لحرف الأمور عن مسارها، وتبدأ من جديد بسياسة المماطلة والتسويف، وهـذه الأيام يتدارس الكنيست الإسرائيلي مشروع قـرار بوضع الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة وزيادة الاستيطان وسرقة الأراضي.
عهدي بشعبنا وإخوتي الحركيين أن نبقى على العهـد في الدفاع عـن أرضنا ومقدساتنا، وأن نحشـد كلَّ الطاقات والإمكانيات لمواجهة هذا العدو المتغطرس الـذي ينتهك الحياة الفلسطينية، ويسعى لقتـل كل أوجـه الحياة، ونحن على ثقـةٍ بقدرتنا على إسقاط قـرار ترامب كما أسقطنا قبل ثلاثة أشهر قـرار نتنياهـو بوضع البوابات الإلكترونية عند مداخل الأقصى.
التجربة المرّة السابقة ولمدة أحدَ عشر عامًا من الانقسام كانت مُوجِعـةً ومفجعة وأليمـة، وعلينـا أن نتطلـَّع دائما إلى الأمام، وأن نطوي هذه الصفحـة السوداء من تاريخ شعبنا، وأن تبقى بوصلتُنا وقِبلتُنا الأساسية فلسطين أولاً وأخيراً، وهناك تواصل دائـم بين الفصائل الفلسطينية إدراكًا للمخاطر التي تستهدف المشروع الوطني الفلسطيني وضرورة مواجهتها باستعادة الوحدة الوطنيـة.