عندما قرر مجلس الوزراء ايقاف عملية استيراد العجول من سوق دولة الاحتلال، سرعان ما هاجت ثيران "مافيا العجول" وأخذت تلاحق رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ليس بقصد مناطحته وإسقاطه أرضا، وإنما لإجباره على إصدار قرارات حكومية طاحنة للاقتصاد الفلسطيني، وعدم الاكتفاء بالضغط، فبدأت وسائل اعلام اسرائيلية موجهة بالتلويح بفرض عقوبات إضافية على المنتجات الزراعية الفلسطينية ومنها منع تصديرها للخارج.

ليس معقولاً ولا مقبولا استمرار استيراد اللحوم الحمراء (العجول) فيما نظام تل أبيب العنصري يفرم لحم أطفالنا وشبابنا بماكينة الاحتلال والاستيطان، ويدمر الحدود الدنيا من مقومات حياتنا الاقتصادية، ويحرق نسيجنا الاجتماعي بالاشاعات والادعاءات الباطلة، وعبر تجاهل تصاعد وتيرة الجريمة في الوسط العربي الفلسطيني في الداخل.

 كان واجبا على كل الحكومات الفلسطينية السابقة إقرار سياسة الضغط على دوائر بنية دولة الاحتلال المتصلة والمتداخلة، التي تشكل جميعها مراكز قوى، تؤثر بشكل مباشر على نظم سياسة حكومة الاحتلال ومواقفها تجاه الحلول السياسية المطروحة، والأهم من ذلك الاستمرار بالاحتلال والاستيطان رغم اعتبارهما جريمة حرب، فمراكز القوى التجارية والعسكرية وإلى جانبها الاستيطانية المدعومة من قوى وأحزاب اليمين المتطرف، باتت كمافيات تدافع عن مصالحها الخاصة، دون النظر لأي اعتبارات متعلقة بالمستقبل، فتجار العجول والفواكه معنيون بإخضاع السوق الفلسطينية ومنع تحررها واعتمادها على المنتج الوطني الفلسطيني، وهذا لا يتم إلا باستمرار الاحتلال والسيطرة على مصادر المياه والأراضي الخصبة الزراعية، وتقييد حركة المزارعين وتنقلهم، وتشجيعهم على ترك أراضيهم مقابل العمل بأجور مغرية في مزارعهم ومصانعهم!! وبالتوازي تحظى (مافيا اللحوم والفواكه) والخضار بمساندة (مافيا الاستيطان) المدعومة من مراكز القوى في المؤسسة العسكرية التي يبدو أن المافيا في ثناياها قيد التكوين!.

الصبر سبيلنا، فنحن "نريد وطنا اكثر" كما قال رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية، وليس أمامنا إلا التعقل والتفكير بإبداع الوسائل السلمية لمقاومة الاحتلال الاستيطاني ومافياته، وإعادة تنظيم أولويات عاداتنا الغذائية، بما يمكننا من خط رسالة واضحة للاحتلال أننا معنيون بحريتنا واستقلالنا، وليس بأطباق اللحم والفواكه الطازجة على موائدنا، وأننا نعتبر أنفسنا أسرى في معتقل كبير بحجم حدود البلاد، كالمناضلين الأسرى في معتقلاته الحربية، الذين يقضون عشرات السنوات دون رفاهية غذائية، فمادام الاحتلال والاستيطان يسيطران على مقدرات حياتنا حاضرا ومستقبلا لن تكون أسواقنا مفتوحة لمنتجاته، وسنذهب إلى أبعد من ذلك حيث لا بد من كسر قرون مافيا العجول! والضرب بيد القانون الحديدية الصلبة على رؤوس المهربين وكل من يؤمن لهم الغطاء، فيما نحن نصارع وننفذ خطة الانفكاك عن القوة القائمة بالاحتلال (اسرائيل)، التي تحولت إلى مافيا تمتلك مؤسسات دولة!.

صار واجبا علينا كمواطنين إعادة رسم مسارات حياتنا لتنسجم مع قرارات القيادة بالانفكاك التدريجي عن الاحتلال، والعمل على إبداع بدائل، وتطوير ما هو قائم والبناء عليه، ولعلنا إذا تابعنا باهتمام مراحل نمو عناقيد الحكومة الزراعية والصناعية، نقدم الدعم المباشر لقرارات قيادتنا السياسية التي هي بالمحصلة انعكاس لقرارات الشعب وإرادته التي جسدها بمخرجات مؤتمرات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبذات الوقت نضاعف الضغوط على مكونات نظام تل أبيب ودوائره كافة، ما يعني في لغة المقاومة الشعبية السلمية، تحويل مشروع الاحتلال والاستيطان الذي تتربح وتكسب منه مافيات اسرائيل، إلى مشروع خاسر.

نحتاج بضعة شهور من الصبر والتدبير حتى نرى بوضوح انعكاس قرارات الحكومة لإيقاف التعامل مع المنتج الاسرائيلي وتشجيع المنتج الوطني، والاعتماد على العمق العربي في حركة الاستيراد والتصدير، فمثل هذه القضايا لا تظهر آثارها مباشرة، وإنما مع الوقت، فالنضال لا يؤتي ثماره بين ليلة وضحاها، فالأهم بالنسبة لنا أن نبدأ وقد بدأت الحكومة بالفعل، وابداعاتنا في خلق بدائل، والانفكاك عن الاحتلال والاعتماد على الذات، ستكون نتائجها أفضل، وسنتمكن من كسر قرون مافيا اسرائيل وأولها مافيا العجول، إذا اجتمعت عندنا على الوفاء والاخلاص للوطن العقول.