بتغريدةٍ على "تويتر" طرد الرئيس ترامب مستشاره للأمن القومي جون بولتون، وأصبح هذا الصقوري بجرَّة قلم أثرًا بعد عين في السياسية الأميركية. بولتون جمهوري محافظ، وكان يصنَّف في زمن بوش الابن أنّه من المحافظين الجُدد. يميني متطرِّف، وأحد منظِّري صراع الحضارات، لذلك كان مناصرًا  لكلِّ الحروب التي شنتها واشنطن في الشرق الأوسط، وكان يعمل لشنِّ حروب أخرى.
الغريب في الأمر أنَّ عملية الطرد جاءت في ذروة التصعيد مع طهران، والذي كان من أكثر المتحمّسين له، بل إنّه كان يدفع بعمل عسكري ضد إيران. وعندما عيّنه ترامب مستشارًا له للأمن القومي، وهو منصب مهم في الإدارة الأميركية، كان نتنياهو أكبر المرحِّبين بهذا التعيين بمقابل انزعاج الأوروبيين ومعظم المجتمع الدولي الذي يرى في هذا الرجل خطرًا على العلاقات الدولية وعلى الأمن والاستقرار الدولي.
عندما تم تعيينه قبل اقل من عام ونصف العام، قال معظم المحللين في حينه أنّ ترامب وجد ضالته بعد ارتباك في سلسلة التعيينات والاستقالات والطرد في الإدارة، وأنّه، أي ترامب، وجد مَن ينسجم معه في التوصيات وتنفيذ وعوده الانتخابية، خاصّةً فيما يتعلَّق بالملف النووي الإيراني.
والسؤال الآن لماذا هذا الطرد المفاجئ وكيف سيؤثِّر على السياسية الخارجية الأميركية وبالتحديد في الشرق الأوسط وفي الأزمة مع إيران؟
الطرد يؤكِّد أنَّ الرئيس ترامب لا يستطيع التعايش مع الأقوياء في الإدارة حتى لو كانوا ممَّن يتّفقون معه في أغلب توجّهاته، هو يريد أشخاصًا مطيعين لا يملون عليه أيَّ رأي، فهذا الرئيس يعتقد أنَّه هو وزير الخارجية ووزير الدفاع وأنّه ليس بحاجة لمن يقدّم له الاستشارات. ومن زاوية أخرى ترامب لا يرى في معظم استشارات ومواقف بولتون أنّها مفيدة، وربما الأهم أنّه يريد التخلُّص من هذا المتطرِّف المزعج في سنة الانتخابات الحاسمة، فهو لا يريد الدخول بأي مغامرة غير محسوبة تطيح به في الانتخابات، فالسبب الذي تمَّ تسريبه أنَّ الخلاف كان يتعلَّق بالمفاوضات مع طالبان أفغانستان التي ترعاها قطر، إلّا أنَّ هذا ليس جوهر الطرد.
أمَّا على صعيد ما يمكن أن يؤثِّر هذا الطرد على السياسة الخارجية فهو بالتأكيد سيؤثّر، فالرئيس ترامب هو من ذلك النوع من الرؤساء الذين يهوون لعبة العلاقات العامة وإدارة الأزمات دون الدخول الجدي في إيجاد حل لها. في الملف الإيراني، هو يريد أن يكتفي بالحصار الاقتصادي، وإذا أمكن عقد قمّة علاقات العامة مع روحاني تمامًا كما فعل مع رئيس كوريا الشمالية.
إنَّ أكثر المنزعجين من طرد بولتون من وجهة نظري هو نتنياهو خصوصًا أنّه مُقبِل على انتخابات في غاية الدقّة بالنسبة له، وإنّ أيَّ تلميح بتغيير موقف واشنطن من إيران سيهوي بأسهمه الانتخابية، فهذا الملف هو لعبته المفضّلة في تجييش الناخب الإسرائيلي نحو اليمين وله شخصيًّا.
على أيّة حال علينا أن ننتظر لنرى مَن هو مستشار ترامب القادم للأمن القومي لنحكم، ولكنَّ خروج بولتون من المشهد هو أمر مريح للعالم إمّا الراحة الأكبر خلاص العالم، ونحنُ الفلسطينيين من هذه الإدارة التي أضرَّت بالعلاقات الدولية، وأضرَّت مباشرة بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وحقوقه المشروعة.