المراقب لاتجاهات الرأي العام في دولة الابرتهايد الاسرائيلية، لا يفاجأ بسيطرة المزاج اليميني المتطرف في اوساطه. لأن القوى السياسية المهيمنة على مقاليد الامور في مؤسسات الحكم التشريعية والتنفيذية والأمنية عموما يمينية متطرفة. ولم تنجح تلك القوى الا بدعم الشارع الاسرائيلي. بحيث حصل تمازج وتداخل بين البناء التحتي والبناء الفوقي بشكل عام. وانعكس ذلك في سلسلة القوانين العنصرية، التي سنتها الكنيست الثامنة عشرة، وترافق ذلك مع التوسع الافقي والعامودي للتيارات الدينية المتطرفة وفتاويها المغرضة والمعمقة لتأصيل العنصرية في الشارع الاسرائيلي ضد الفلسطينيين العرب والمنغمسة مع حكومة إئتلاف اليمين الصهيوني المتطرف بالدعم غير المسبوق للاستيطان الاستعماري على حساب التعايش والسلام ومصالح الشعب الاسرائيلي، الذي أخذ مؤخرا يستيقظ من سباته بعد ان ضاق به الحال من سياسات إئتلاف نتنياهو ليبرمان باراك ويشاي.

هذا الاستفحال المنفلت من عقاله للثقافة والسياسة العنصرية فتح شهية قطاع الطرق والمجرمين من الصهاينة لارتكاب الجريمة تلو الاخرى ضد الفلسطينيين داخل الخط الاخضر وفي المناطق المحتلة عام 1967، دون اي تمييز او اعتبارات مثلا لحامل الجنسية الاسرائيلية والفلسطيني الواقع تحت الاحتلال والمطالب بالاستقلال والحرية والانعتاق من براثن سلطات الاحتلال لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. وبالتالي تلجأ عصابات المستوطنين الساكنين عنوة على اراضي محافظة نابلس بحريق مسجد النور في قرية طوبا الزنغرية في الجليل الاعلى. اي لا تقتصر جرائمهم وانتهاكاتهم في حدود محافظة نابلس، بل توسع دائرة جرائمها الى داخل الخط الاخضر، لتعمق الكراهية والحقد بين ابناء الشعبين، ولتخدم فتاوى الحاخامات المتطرفين في طبريا وصفد والقدس وتل ابيب وعكا وحيفا ويافا، بهدف صب الزيت على حالة الغليان والسخط، التي تعتمل في نفوس وصدور الفلسطينيين، لاسيما وان توقيت حرق المسجد لم يكن صدفة، حيث ترافق مع مرور مناسبة إستشهاد ثلاثة عشر شهيدا من الشباب العربي الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب في انتفاضة اكتوبر.

والمثير للاستهجان ان شرطة الاحتلال قامت باعتقال خمسة عشر شابا فلسطينياً من قرية الزنغرية، كونهم حاولوا التظاهر احتجاجا على الجريمة المخزية والجبانة. بدل ان تقوم قيادات حكومة إسرائيل بمواساة الفلسطينيين، على اعتبار انهم حملة الجنسية الاسرائيلية، قامت باعتقالهم، وتهديدهم بعظائم الامور؟!

وترافق مع ذلك طرد حوالي ثلاثين الف فلسطيني من النقب، من اراضيهم، ومصادرة حوالي مليون دونم باسم «إعادة تأهيلهم» و» تمدينهم» أي نقلهم الى مساكن حديثة ، ولكن الذريعة المفضوحة لم تنطل على أبناء فلسطين من عرب النقب، الذين مازالوا يرفضون سياسة حكومة نتنياهو، ويتابعون معركتهم في المحافل القضائية وعلى مختلف المستويات، لحماية اراضيهم من النهب والاستغلال.

معارك الشعب الفلسطيني داخل الخط الاخضر وفي حدود الاراضي المحتلة عام 1967 متواصلة على قدم وساق ضد سياسة البطش العنصرية والمصادرة للاراضي والتهويد وارهاب الدولة الاسرائيلية المنظم على كل الصعد والمستويات، داخل السجون وخارجها، ولن تتوقف الا بالانتصار على الاحتلال والنزعات العنصرية وتحقيق الاهداف الوطنية. وتخطئ القيادة الاسرائيلية إذا افترضت انها قادرة على قهر ارادة الحياة والمساواة داخل الخط الاخضر، والحرية والاستقلال في الاراضي المحتلة عام 67. والمستقبل كما لم يكن يوما للمحتلين الطغاة على مر التاريخ، فلن يكون مطلقا لصالح دولة الاحتلال والابرتهايد الاسرائيلية، التي ستدفع الثمن غاليا جراء جرائمها وانتهاكاتها للحد الادنى من حقوق الانسان لابناء الشعب الفلسطيني أينما كانوا