أكَّد صبية الإدارة الأميركية الذين يجوبون الآفاق لعقدِ الورشة الاقتصادية في البحرين، أنَّهم مصمِّمون على عقد هذه الورشة التافهة، بل إنّهم وسَّعوا دائرة المدعوين الثانويين لاعتقادهم الواهم أنّه كلَّما زاد عدد الحضور يكون ذلك علامة النجاح، وهذا غباء مطلَق، لأنَّ الحركة الصهيونية التي وقفت إلى جانبها قوى الاستعمار القديم، أطلقت هذه الوعود الاقتصادية التي ثبت أنَّها زائفة تمامًا، منذ وقت طويل، ومندوبو الوكالة اليهودية الذين كانوا يتجوَّلون في المنطقة من بوّابات الأنفاق الطائفية والعرقية، أطلقوا وعودًا اقتصادية خيالية، منذ عام 1929، قبل إنشاء (إسرائيل) بتسعة عشر عامًا، كانت نتيجة كلّ ذلك الهزيمة في عام 1948، والنكسة في عام 1967، وقصف واحتلال أول عاصمة عربية وهي بيروت، وإهداء القدس والجولان ومزارع شبعا إلى الإسرائيليين لكنَّ صبية الإدارة الأميركية التي يقف على رأسها دونالد ترامب الخالي من الذاكرة، والكاذب من الطراز الأول ما زالوا يتحرّكون، وينشرون الآمال الكاذبة تُشجِّعهم على ذلك وشوشات التطبيع التي تُقال بشكل هامس، أو تُعلَن بصريح العبارة أو تُبنى مثل قصور تُقام على الرمال.
مهما يكن، حتى لو صدَّق البعض أنَّهم يمكن أن يصبحوا كبارًا إذا خانوا قضيّتهم وأُمّتهم، فإنّ الأمر يحتاج إلى مراجعة بسيطة صادقة، ليس أكثر من ذلك، هذه الورشة التي تُقام في البحرين، وما زالت البحرين تملك الفرصة لكي تعتذر، وتنسحب من استضافة هذه الورشة، لأنّها ستكون مضيفة لشيء لا تعرف عنه شيئًا، أقرب ما يكون إلى كوميديا عادل إمام "شاهد ما شفش حاجة"، وخاصّةً أنَّ الطرفين الرئيسَين في هذه الورشة التي إن لم يشاركوا فيها فستكون شيئًا تافهًا، بل نوعًا من الخيال، الطرفان هما فلسطين بقيادتها الشرعية، وشعبها الصامد في الميدان، وقضيّتها العادلة التي تسخر من ألعاب الأطفال المملة، وقد تمَّ الإعلان عن ذلك بشكل واعٍ جدًّا، وشاملٍ جدًّا، ومبرَّر الأسباب، وشامخ الإرادة، والمندوب البحريني الذي قابل الأخ أبو مازن رئيس شرعيّتنا الفلسطينية، وسمع الجواب الواضح والقول الفصل.
أمّا الجانب المقابل، وهو (إسرائيل) فإنَّ الفشل الذي تجرّعه نتنياهو في عدم قدرته على تشكيل الحكومة، وجعل (إسرائيل) غائبةً موضوعيًّا رغمًا عنها لأنّه لا يوجد في (إسرائيل) الذاهبة إلى انتخابات بعد موعد الورشة بأسابيع قليلة، لن يكون لأحد فيها القدرة على أن يأخذ قرارًا، فمَن هُم الذين تستضيفهم الشقيقة البحرين في هذه الحالة؟! أم أنَّ الحكاية كلّها عناد في عناد كما يقول المثل الشعبي "عنزة ولو طارت"، والأدهى من ذلك أنّ الطرف الداعي، وهو إدارة ترامب لا أجد غير الله يمكن أن يتوقَّع ما سيحل به؟ هل هو العزل؟ وما أدراك ما العزل إذا تحقّق، وما سيجده من فضائح ومحاكمات وسجون، وأسرار يكشف عنها لأول مرة في حياة هذا الرجل العجيب ترامب؟؟
لماذا العجلة؟ ولماذا هذا الكرم العربي المبالغ فيه؟؟
ليس لنا مشاكل سابقة مع إخوتنا في البحرين، ولن تكون هناك مشاكل إن شاء الله، مع أنَّ العبث بقسوة الجرح الحي قد يولِّد نيرانًا لا حدود لها لا سمح الله، والحكيم هو مَن يعطي نفسه فرصة أخرى للتفكير قبل أن يقول كلمته، والحكمة ضالة المؤمن أين وجدها يجب أن ينحاز إليها.
الأطراف الأساسية الثلاثة في وسط البحر، وهُم فلسطين بقيادتها وشعبها ورؤاها، و(إسرائيل) بانفجاراتها الداخلية القائمة، والراعي الأكبر وهو ترامب عبر صبيانه، قرارهم معلَن وهو الرفض القاطع فلسطينيًّا، وارتباك عميق عند الطرف الإسرائيلي، وفقدان القدرة على التوقع أمريكيًّا، فمع مَن ستُعقَد هذه الورشة التي هي في الأصل واحدة من الأكاذيب؟!