لم يختلف لبنان مع الشقيقة سوريا حول هوية الشاعر الأديب أدونيس، كما لم يختلف السودان مع أخته ليبيا حول الشاعر محمد الفيتوري، ولم تتنابز بريطانيا مع الولايات المتحدة الأميركية حول قومية الشاعر ت. أس. إليوت ولكن الصراع ما زال مستمرا بين الدولتين الأوروبيتين منذ خمسة قرون حول الفنان ليوناردو دافنشي هل هو إيطالي أم فرنسي؟
ومن المفارقات الغريبة اختفاء قبر دافنشي في مقبرة إحدى المدن الفرنسية التي التقى فيها الرئيسان الفرنسي ماكرون والإيطالي ماتارله في 2 أيار 2019 إحياءً للذكرى الـ 500 لوفاته وهذا اللقاء برهان على التقدير العظيم لإرث هذا الفنان وعلى الصراع بين الدولتين حول هوية دافنشي الذي ولد في إيطاليا في 15 نيسان 1452 وغادرها وهو في الرابعة والستين إلى فرنسا ملبيا دعوة فرنسوا الأول، ملك فرنسا، الذي منحه قصرًا عاش فيه ثلاث سنوات حتى وفاته في 2 أيار 1519 وأنتج في هذه الفترة لوحته الشهيرة الجوكندا (الموناليزا) التي اشتراها منه الملك لمتحف اللوفر الذي يؤمه سنويا ملايين الناس لمشاهدتها ويقفون مشدوهين أمام ابتسامتها متسائلين عمن تكون هذه المرأة الساحرة.
كان دافنشي عبقرية موسوعية فقد برز في علمي التشريح والهندسة حيث سبق عصره علميا في اكتشافاته وفي اختراع آلات استعملها في أبحاثه العلمية ما زالت تعرض حتى اليوم في العالم وتثير اهتمام العلماء، كما كان له مساهمات في الأدب والموسيقى والنحت إلا أن شهرته كانت في مديان الرسم حيث ترك للإنسانية خمس عشرة لوحة خالدة أشهرها لوحة الجوكندا ولوحة العشاء الأخير التي استوحاها من حياة السيد المسيح وطولها تسعة أمتار وعرضها أربعة أمتار وشاهدها في العام الماضي ثمانية ملايين إنسان.
لوحات دافنشي موزعة في عدة مدن ودول في العالم فهناك ست لوحات في متحف اللوفر في باريس، وثلاث لوحات في فلورنسا (إيطاليا) ولوحتان في متحف الأرميتاج في سانت بطرس بورغ (روسيا) ولوحتان في لندن، ولوحة العشاء الأخير على جدار كنيسة في ميلانو (إيطاليا) وأما اللوحة الخامسة عشرة واسمها "منقذ العالم" فقد اشتراها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، بـ 450 مليون دولار وأودعها في متحف في الإمارات. وهناك لوحة أخرى بالفحم اسمها "مونا فانا" أي موناليزا العارية لامرأة متجردة تشبه الموناليزا ينسبها البعض لدافنشي فيما يستبعد آخرون أن تكون له.
مرت خمسة قرون على رحيل هذا العبقري ومازال الإيطاليون يؤكدون إيطاليته، والفرنسيون يصرون على فرنسيته، ويحق لكل طرف منهما أن يتمترس في موقفه فالخلاف هو حول فنان عبقري وعالم ما زالت اكتشافاته العلمية مصدر إيحاء لعدد من المبدعين في العالم، وليس الخلاف على بئر نفط أو حقل غاز أو جزيرة نائية.