التشكيك بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثِّل الشرعي الوحيد، وبدورها التاريخي، هو المحدِّد لمواقف تنظيمات وحركات الإسلام السياسي وبعض النُّخَب المعولَمة، التي تتلهَّى وتهرب من حمل المسؤولية عبر هذا التشكيك.

الإسلام السياسي، والمتمثِّل بحركتَي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، تبدأ تشكيكها تحت حجَّة أنَّ المنظَّمة لا تُمثِّل الكل الفلسطيني، وذلك باعتبارهم في خارجها. السؤال هُنا ما الذي يمنع "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من الدخول للمنظّمة، ليس اليوم، وإنَّما منذُ ثمانينيات القرن الماضي عندما تأسَّست هاتان الحركتان؟

كلُّ ذرائع "حماس" و"الجهاد" بعدم الانضمام غير مقنِعة وغير مبرَّرة، فالسبب الحقيقي هو في اختلاف الهُويّة، فهُويّة المنظمة هي هُويّة وطنية، أمّا "حماس" و"الجهاد" فهُويّتهما هي هُويّة الإسلام السياسي، هذا من جانب أما الجانب الآخر، فـ"حماس" إن لم تكن صاحبة القرار والقيادة في المنظّمة فلن تنضمَّ إليها، فالمنظّمة من وجهة نظرها إمّا أن تكون لي وبهُويّة الإسلام السياسي أو لا تكون. وأكثر من ذلك فإن لم تكن المنظمة لي وأنا صاحب القرار فيها فعليَّ أن أُشكّك وأهدم هذا الكيان وأنشئ غيره على شاكلتي ولخدمة جماعة (الإخوان المسلمين) وتنظيمهم الدولي.

"حماس" وحركات الإسلام السياسي لا تعترف بالمنظمة لا ممثِّلاً شرعيًّا ولا بدورها التاريخي وتاريخها النضالي، فهذا التاريخ هو تاريخ وطني وبهُويّة وطنية لا يعنيهم، وما يعنيهم فقط هو تاريخهم هُم.

والأغرب، أنَّ لدى "حماس" الإخوانية حقدًا خاصًّا على المنظمة لأنَّ جمال عبد الناصر والقوميين العرب هم مَن أسهموا في تأسيس المنظمة، فالعدو، ربما الأوحد، للإسلام السياسي هو الحركات القومية الوطنية. أمَّا النُّخَب المعولمة فارتباطها بالتاريخ والهُويّة الوطنية ضعيف ولغتها الوحيدة هي لغة المزايدات وادِّعاء النقاء، فبالنسبة لهم هذه أقصر الطرق للتحلُّل من المسؤولية الوطنية، واستسهال الاندماج بأجندات معولمة خارجية.

منظمة التحرير عندما تأسَّست في مثل هذه الأيام عام 1964، كان الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية غائبين عن المشهد السياسي والخارطة السياسة في المنطقة، فالوجود الفلسطيني السياسي تمَّت تصفيته في نكبة عام 1948. والنقد الذي كان يُوجَه للمنظمة في البدايات، هو في كونها تحت المظلة والوصاية العربية الرسمية، لكنَّ هذا الواقع انتهى عمليًّا بعد هزيمة الأنظمة في حرب عام 1967، حيث انتزعت "فتح" وباقي فصائل المقاومة المنظمة قرارها الوطني عام 1968.

ومنذ ذلك التاريخ أصبحت المنظمة هي الكيان والوطن الفلسطيني في المنفى، وهي المعبّر عن إرادته الوطنية الحُرّة. وعندما تمَّ الاعتراف بها عربيًّا ودوليًّا بأنَّها الممثّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني عام 1974، جاء ذلك بعد تضحيات كبيرة قدّمها الشعب الفلسطيني، وبعد أن وضعت الثورة الفلسطينية نفسها بالقوة على الخارطة السياسية في المنطقة والعالم، وتحوَّلت إلى الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه.

منظمة التحرير ليست مجرّد كيان سياسي، فهي التعبير عن هُويّة الشعب الفلسطيني الوطنية والثقافية، فتحت مظلتها، نمت وازدهرت الثقافة الفلسطينية شعرًا وروايةً ورسمًا ومسرحًا وسينما، كما حافظت ورعت التراث الشعبي الفلسطيني، فالمنظمة بهذا المعنى هي الكيان والهُويّة وعندما نقول إنَّها الممثّل الشرعي الوحيد فهذا لأنّها تحمل هذا المضمون الوطني العميق. فمن يشكِّك بالمنظمة وقيمتها التمثيلية كأنّه يهدم أُسُس النضال الوطني الفلسطيني وتاريخًا طويلاً من النضال عمره أكثر من مئة عام.

هذا التقديم لا يعني ألّا نوجه النقد لبعض سياسات المنظمة أو نُعبِّر عن الاختلاف مع سياستها الرسمية، فالسياسات يمكن نقدها وكذلك الأشخاص، ولكن في إطار المسؤولية الوطنية، وألّا يكون الهدف هو هدم الكيان التمثيلي. فالمنظّمة أوسع وأشمل من كونها برنامجًا سياسيًّا نتَّفق أو نختلف معه، إنّها أُسَر الشهداء والأسرى والتاريخ النضالي والذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني، إنّها بهذا المعنى من أهمّ إنجازاتنا الوطنية التي يجب الحفاظ عليها وتغذيتها وتطويرها لا هدمها.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان