يبدو أنَّه يمكن لخبر صغير في "يديعوت احرونوت" أن يتجاوز الدور "الإخباري" للمادة الإعلامية إلى ما هو أبعد، فالإعلام الإسرائيلي لعب وما زال يلعب دور ساعي بريد للقيادة السياسية في دولة الاحتلال، ويعمل على تمرير الكرات في الملعب الإقليمي إلى السياسي.

من هنا، يبدو خبر حول إزالة إحدى الدول العربية من قائمة الأعداء والموافقة على طلبها بالتبادل الاقتصادي معها في هذا الوقت، وليس بعيدًا عن مؤتمر المنامة الاقتصادي المفخَّخ بالأهداف السياسية التي تعيها روسيا والصين جيّدًا، قمّة الجليد للحراك التخريبي لناقلات نفط وتأجيج الوضع في الخليج العربي بين إيران وأميركا قبل فترة ليست بالبعيدة، وحيث وصلت الأمور كما هو معلن إلى تهديدات بالتصعيد، فيما الحرب، ولمواضيع لا تتعلّق بالاستعداد، ليست على أجندة الطرفين.

وفيما تتدحرَّج التصريحات الإعلامية ضد الحرب ومؤتمر المنامة، يأتي خبر صغير في "يديعوت أحرونوت" ليؤسس للمطالب الإسرائيلية بشأن الثمن المطلوب، والمتمثِّل بالتطبيع الاقتصادي مع دولة مهمة في المنطقة. وكعادة الأخبار الإسرائيلية التي تضرب عشرة عصافير بحجر واحد، أُريدَ لصيغة الخبر أن تأتي مستفزّة لمناهضي التطبيع وللجانب الفلسطيني، وذلك من خلال تقديم المسألة على أنَّها مطالبة من هذه الدولة، ويمهِّد الطريق لتأجيج العلاقات، وإثارة نزاعات دينية وإقليمية، وهذا الدور يتم لعبه بإتقان مكشوف، وحيث يُرادُ لردّات الفعل الانشطارية أن تدفع، ليس باتجاه تكذيب الخبر، بل باتجاه العناد، وهكذا يراد لبيدق عروبي آخر أنّ يدور في فلك شرق أوسط جديد كما ترسمه السياسة الأمرو-إسرائيلية.

يبدو أنّ هذه السمة لاحقت وتلاحق أخبار هذه الصحيفة التي سعت من خلال نشر خبر مفاده حصول الموظفين على 30% من رواتبهم للشهر القادم إلى إثارة الشارع الفلسطيني باتجاه الضغط على القيادة الفلسطينية لتغيير مواقفها تجاه الاقتطاع غير القانوني من أموال المقاصة ومعاقبتها على رفضها الابتزاز السياسي وتحويل قضية فلسطين من سياسية إلى مشروع إعانات اقتصادية لا سيما أنَّ العامل الداخلي إحدى الأدوات التي تحاول دولة الاحتلال استخدامها لإطالة عمر الاحتلال وإعادة رسم المنطقة بما يتوافق مع مشروعها الاستعماري والتطبيعي التوسُّعي.

الحكمة التي تقتضي عدم الدخول في حرب إعلامية أو فيسبوكية استنادًا إلى أخبار الصحف الإسرائيلية، يجب أن تترافق مع جهد سياسي يعمل على تلافي الخسارات وتوطيد الجهد والعلاقات وعدم منح أي مبرّر لتسير الأمور في غير اتّجاه.

من الجدير بالذكر أنَّ دولة الاحتلال تبني على التراكمات، كما أنَّها تبني على صورتها التي تستخدمها اليوم لحرف البوصلة عن أي نقاش للحق الفلسطيني والتي تعتبر إحدى أدواتها بناء دولة باقتصاد وتكنولوجيا وتقدُّم عِلمي وزراعي، وبعيدًا عن مناقشة قضية: على حساب مَن تقيم دولة الاحتلال اقتصادها؛ يظلُّ سؤال برسم الإجابة: ما الذي يملكه الفلسطينيون أكثر من مسألة الحق التاريخي والطبيعي بالتحرُّر من الاحتلال وإقامة الدولة؟ وهل ننتهج سياسة البناء بعد التحرُّر أم البناء تحت الاحتلال رغم معيقاته لتكون لدينا أيضًا استحقاقات بلُغة العالم الجديد والدول المدنية والحضارية تُساند الحق التاريخي؟

#إعلام_حركة_فتح_لبنان