غالبا ما يطلب من جموع الشعب أن تلتف حول قيادتها لدعمها في مواقفها أو أن يقوم الناس مع ارتفاع الحرارة السياسية، بالالتفاف والتأييد تلقائيا سيما وهم يرون ضراوة معركة سياسية ما، فتثور مواقفهم ويعبروا عنها بطرق مختلفة. وفي ظل الحديث عن أيلول الذي بات المفصل الأكبر في حياتنا الفلسطينينة، يتصاعد الحشد السياسي والمعنوي لدعم الفكرة بينما يعبر البعض عن انتقاده لها أو تخوفه منها. وفي كلتا الحالتين الأمر مشروع ولا يجب أن يرى فيه فريق ما كفرا أو خروجا عن المألوف لا سيما وأن الطبيعة تفرض الرأي والرأي الآخر.

لكن من غير الحميد أن يقف البعض على الحياد وكأنه يعيش في عالم آخر خاصة من جموع الساسة الذين يرى الناس فيهم منهلا ومرشدا. وفلسفة المواقف الرمادية او الجلوس على الأسوار كما يقال، تقوم على مفهوم حفظ ماء الوجه بغض النظر إلى أي مآل تتجه الأمور. فإن أصابت احتفل هؤلاء وربما نسبوا لأنفسهم هذا النجاح، وإن خابت فربما يشهر هؤلاء أصابعهم ويعلنون عندها أنهم لم يكونوا راضين عن الخطوة وأنهم قد آثروا الصمت قبلها لكي لا يتهموا بالتعطيل. هذه السياسة الرمادية ربما تحفظ لمطبقيها ومنظريها ماء وجههم فتوفر نتيجة طبيعة يسمونها بالإنجليزية بمواقف «الرابح الرابح» أي أنك تفوز عندما تتبنى الحياد.

والمواقف هذه ربما تكون حكيمة ورشيدة تتصف ببعض التعفف عندما يكون الامر خلافا انقساميا يعتليه احتمالات كبيرة بالفتنة، وربما أيضا تكون في غاية الحكمة عندما يتطلب الامر حيادية في التعاطي مع وضع يحتاج إلى شيء من التروي والتفكر للخروج من المحن. لكن وفي مفاصل التاريخ كالتي سيجلبها أيلول هذا فإن رمادية الموقف والجلوس على الأسوار لمراقبة المشهد ليست أمرا حميدا فهي ليست بحيادية ولا بمتجردة وإنما تؤكد على رغبة دفينة في تسجيل نقاط على من ينجح أو من يفشل.

لذلك فإن مناداة الشعب ليلتف حول موقف مفصلي ما يجب أن يسبقه حسم لمواقف الساسة أنفسهم بصورة متجانسة في الاتفاق أو متجانسة في الاختلاف لأنه ومن شأن كلا الموقفين أن يعززا من صلابة القرار فالاتفاق يقوي ذلك القرار بينما يساهم الاختلاف في تطويره أوتعديله. أما رمادية الساسة فهي أمر غير مفيد في مفاصل التاريخ.

الآن من المقصود بهذا الكلام ومن سيفهمه؟ بالطبع أولئك الذين يمارسونه من ساسة الشعب الفلسطيني