في العقدين الأخيرين، ربما بسبب الإحباط الذي استحكم بالشعوب العربية، تراجع السؤال عن أسباب تمزّق الأمة العربية وتدهور أحوالها وتخلفها.
وغالبًا ما كنا نختصر الإجابة بوجود مؤامرة، ونوضح أنّ سبب المؤامرة هو طمع الاستعمار العالمي بثروات الأمة العربية، وبموقعها الجيوسياسي الاستراتيجي الذي بالفعل يتوسط العالم، ويسيطر على ممرات بحرية تمر من خلاها النسبة الأكبر من التجارة العالمية.
وأحيانا كنا نجلد أنفسنا ونقول إن الثقافة الموروثة وبعض العادات والتقاليد هي من تقف وراء تخلفنا.
دعونا ننظر لبعض الأرقام لنعرف السر والجواب، أولاً، لابد من ملاحظة أنّ الناتج العربي المحلي أي دخل الأمة العربية حتى وهي في حالة التمزق والتخلف هو 2 ترليون و64 مليار دور سنويًّا.
ترجمة هذا الرقم أنّ العرب وهم بحالهم هذه، هم القوة الاقتصادية الخامسة عالميا، وترجمة ذلك اقتصاديًّا وسياسيا أن العرب سيصبحون قوة مقررة في الاقتصاد والسياسة، بل ومنافس قوي للدول العظمى.
العرب أيضًا يسيطرون على احتياط العالم من الطاقة، 56% إلى 60% من احتياط النفط العالمي في الدول العربية، كما عندهم اكثر من 50% من الغاز الطبيعي، وحتى بالنسبة في الطاقة البديلة فإنّ المنطقة العربية هي من المناطق الأكثر إنتاجًا للطاقة الشمسية في العالم.
أما الإنسان العربي فهو إنسان ذكي كفرد، وفاعل فيما لو كانت هناك مؤسسة تعمل على استغلال ذكائه وقدرته على التعلم والتفوق.
والعرب الذين يصل عددهم إلى 300 مليون نسمة يسيطرون على جغرافيا تبلغ 13 مليون و160 الف كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة الولايات المتحدة الأميركية، وأكبر من أستراليا، مع أفضلية للموقع الذي يتوسّط العالم مما ذكر.
إنّ هذه الأرقام تكشف لماذا يجب أن يبقى العرب متفرقين ومتخلفين، لأنّهم لو توحّدوا ونهضوا لكانوا إحدى القوى التي ترسم السياسة الدولية سياسيًّا واقتصاديًّا. من هنا فالحقيقة الأكيدة أنّ هناك مخطَّطًا متعدد الأطراف بإبقاء العرب منغمسين في تمزقهم وصراعاتهم وتخلفهم. وهذه القوى إقليمية ودولية فلا احد غربًا وشرقًا سيكون مرتاحًا لنهضة العرب ووحدتهم لأن ذلك سيكون تهديدًا لدوره وقدرته على الاستفادة من ثروات العرب بأبخس الأثمان.
إن المشكلة الأعقد هي في إصرار بعض العرب على هدر ثرواتهم في صراعاتهم التي لا يقبلها أي عقل، وهدرها في خدمة أجهزة المخابرات العالمية التي تجندهم وتجند ثرواتهم في حروبها فيما بينها.
إنّ آخر نسخة من المخططات لمنع الأمة من النهوض هو هدر مالها في الحروب الإعلامية والمخابراتية والحروب الأهلية وهو أسوأ أنواع الهدر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها