تعيش القضية الفلسطينية منذ بداية الحراك العربي من تونس إلى ليبيا ومصر وسوريا ولبنان، حالة من الغربة القاسية، إذ فقدت الحضن السياسي الدافئ وإن لم يكن بالمستوى المطلوب، كما أن فلسطين اليوم تعالج قضاياها لوحدها، في الوقت الذي ينشغل فيه العالم العربي بتصفية حسابات وصرف أرصدة كان قد التزم بها من أجل إسقاط وتبديل أنظمة ورسم خارطة جديدة لهذا الشرق، تكون فيه (إسرائيل) دولة قائدة أمنياً واقتصادياً وسياسياً.

كما أننا نعيش اليوم مناخاً سياسياً تظهر فيه حالة من التفاهمات والحصص وهذا واضح جلياً من خلال الجلسة الأولى لمؤتمر جنيف2 وما سبقه من تحضيرات.

نبه اللواء أبو أحمد زيداني من وجود فيروسات لا بد من تجنبها، فالاستهداف تارة يكون بالآلة العسكرية أو بزرع ثقافة محددة أو بإرسال فيروسات كان آخرها موضوع الطائفية والمذهبية التي تحمل الكثير من مشاريع الدم التي تجلّت مؤخراً في المناطق اللبنانية.

وأضاف "أن حالة الاستهداف هذه تسعى لضرب الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان الذي نشعر نحن الفلسطينيون أننا جزء من هذه الجغرافيا التي نقيم فيها، وهي جغرافيا مؤقتة لكنها تحتاج إلى تحصين وتسييج"، ولا شك أبداً أن هذه الفيروسات آتية من أعداء هذا الشعب والأمة بأكملها وهي تأخذ أشكالاً متنوعة وتتنقل بين مناطق مختلفة لزرع الفتن.

أينما يوجد استقرار هناك استهداف، وأنهم في المخيمات أيضاً في عين الاستهداف المشترك عن طريق التآخي مع المحيط لذلك "نتوقع أن نكون ضحايا لهدف مشترك"، وهذا الأمر يفرض وعياً استثنائياً عبره تستطيع المواجهة المشتركة.

ولفت زيداني إلى أن المخيم بشعبه وكل من فيه هم عين ساهرة على الاستقرار، وكحركة "فتح" قاموا بلقاءات مشتركة مع اللبنانيين وزاروا عدداً من القرى تجاوزت الخمسين قرية، تمكنوا من خلالها تبديد حالة القلق عند الجمهور اللبناني وكل من شكك للحظة بأن الفلسطيني قد يكون خطراً على الوجود، "أبلغناهم أن الفلسطيني لن يكون خنجراً في ظهر هذا الجنوب لأن العاقل يدرك أن لبنان له دين في رقاب الشعب الفلسطيني الذي بدوره لا ينكر الجميل أبداً".

وأشار إلى سعيهم الدائم لتعميم ثقافتهم وأن يكونوا على مسافة واحدة من كافة القوى السياسية الفلسطينية لتعزيز الوضع الفلسطيني وترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية مع كافة القوى الإسلامية والوطنية ليكونوا في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني والأجندة الفلسطينية والعمل على ذلك بشكل جاد، وتمنى إلغاء هذا الانقسام البغيض ومواجهة الاحتلال وانجاز مثلث المسلمات الوطنية الفلسطينية المتمثل بالدولة المستقلة وعاصمتها القدس وانجاز حق العودة لجميع الفلسطينيين.

وفيما يتعلق بمخيم اليرموك فيؤكد زيداني أن القيادة الفلسطينية المتمثلة بالرئيس أبو مازن الذي أرسل وفداً تلو الآخر، فإن لها موقف واضح ومسافة واحدة من كل الأطراف من أجل تهدئة الأجواء وجعل الأمور واضحة أكثر، وبدوره يأمل أن يتم فك الحصار عن المخيم لأن ما يهمهم هو إنهاء حالة المعاناة الإنسانية في اليرموك من جوع وعدم القدرة على إدخال المواد التموينية، فقد توجه وفد من حركة فتح لإيصال مواد تموينية لكن أُطلق عليه النار ولم تتمكن القافلة من الدخول فعادت أدراجها "وأصبح معروفاً المسؤول عن تلك العرقلة".

أمّا بالنسبة لمؤتمر جنيف فإن البعض يسعى إلى أن يكون تهدئة والبعض الآخر يريدها تسوية لكن الجهد المبذول بمستوى الحدث في سوريا وما يدور فيها، ويتمنى لهذا البلد الشقيق الذي تتدمّر قدراته أن يتعافى لتأخذ سوريا موقعها إلى جانب الدولة الفلسطينية كما كانت دوماً مثلها مثل باقي الدول العربية التي تهمهم عافيتها، ليلتفتوا إلى الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في استعادة أرضه وكرامته، "فالأقصى تدنّس بنعال الاحتلال والعالم العربي يتلهّى بربيعه".

وقال أن حركة فتح استطاعت صوغ خطاب سياسي متمكن بعيد عن حالة التجاذبات خصوصاً في لبنان من خلال النأي بالنفس والاصطفاف مع مسلمات لبنان، وهذا ما مكّن حركة "فتح" من أن تكون حاضرة في كل الكل الوطني "نحن على مسافة واحدة من جديد باستثناء ما يتعلق بالمقاومة لأننا جزء من هذه الجغرافيا".

وختم زيداني بقوله أن فلسطين بحاجة إلى أن يكون الجميع مخلصاً إلى هذه القضية وهي أقدس قضايا العصر، والجنوب اللبناني هو الحضن الدافئ لقضية فلسطين "ونحن سنصون هذا التاريخ وهذه الأمانة وسنكون أوفياء للبنان لنتمكن من تجاوز كل ما نمرّ به".