بقلم: المحامي لؤي عبده

غنمت إسرائيل شبكة السجونمن المستعمر والحكومات والدول التي سيطرت على فلسطين وخاصة بعد الحرب العالمية الثانيةوعند الإعلان عن وجود إسرائيل على أرض فلسطين على 1948. خلفت بريطانيا المعكسرات والسجونالعديدة، استخدمتها حكومات إسرائيل لأغراض عسكرية وقمعية، ضد المواطنين الفلسطينيين.بعد حرب عام 1967 احتلت إسرائيل المناطق الفلسطينية الأخرى، غنمت أيضاً سجون إضافيةمما كان قائماً واستخدمه الحكم الأردني في الضفة الفلسطينية والحكم المصري في غزة ومعمطلع السبعينات من القرن الفائت أقامت إسرائيل العديد من السجون لأستخدامها في سياستهاالقمعية بحق المقاومة الفلسطينية الذي انطلق ثوارها في منتصف الستينات. أوجدت إسرائيلشبكة سجون ومعتقلات تفوق بعددها حاجة دولة من حيث السكان والمساحة. والسؤال لماذا؟الجواب هو :أن السجون في إسرائيل كانت وما زالت بديل لأعواد المشانق، كما كنا نصفها،خاصة وأن مؤسسي إسرائيل اعتقدوا على الدوام أنهم سيواجهون الثورات تلو الثورات وهذاما كان ما يخططون له، شبكة سجون قادرة على احتواء الثورة المسلحة القادمة، كإستراتيجيةبعيدة المدى تهدف إلى سحق الفلسطينيين، طالما اعتقدوا أن الثورة هي الطريق للخلاص منالغزو الصهيوني ودولة إسرائيل القادمة من الغرب لمواصلة مهمات المستعمر. وبعد أكثرمن ستين عاماً على وجود هذه الشبكة المتطورة، والذي أضيف إليها معسكرات الاعتقال المشهورةأنصار1/ لبنان عام 1982، وأنصار/ غزة، وأنصار3/ النقب عام 1988، ومعكسر مجدو/ الشمال،ومعسكرات أخرى وهكذا اشتهرت سياسة إسرائيل ومن قمع الفلسطينيين إقامة وتجديد شبكة السجونفي إسرائيل وتطوير اللازم وما يخدم سياسات الاحتلال التي تقوم على تعذيب وحرمان وقمعالإنسان. هذه هي حقيقة إسرائيل، احتلال، سجون، قمع، قتل، واستيطان عنصري.عقاب جماعي، حزمة ممنوعات إسرائيل واجهت ثورات وانتفاضة مسلحة وشعبية واحدة تلو الأخرى وجبهاتجماهيرية ونضال دؤوب شنه أحرار ومناضلو الشعب الفلسطيني منذ مئة عام، ولم يتوقف ولمتستطيع قوات الاحتلال وسجونها وسجانيها وأجهزتها الأمنية أن توقف هذا النضال الشجاع،ولم تستطيع هذه الدولة القمعية أن تطفي شعلة الحرية، أو تسقطها من قبضة المناضل الفلسطيني.ومنذ عام 1967 دخل السجون الإسرائيلية من الفلسطينيين الأحرار مليون فلسطيني اعتقلوالمدد زمنية مختلفة، سواء عبر سياسة الشاباك (المخابرات الإسرائيلية) أو من خلال المحاكمالعسكرية الفاشية أو من خلال عمليات القمع العسكرية الذي مارسها جيش الاحتلال العنصري.إسرائيل دولة احتلال واستعمار وهيمنة، تقوم بدور المستعمر الغربي / والأمريكي، في بسطسيطرتها على المنطقة العربية والتي بدأت من فلسطين، لكنها، مازالت تواجه أعنف وأصلبمقاومة في التاريخ المعاصر، مقاومة الشعب الفلسطيني الذي أبى الاستسلام بالرغم من كلما حل به من محن ومأسي وقمع وتعذيب وتنكيل، لكن ما زال مصراً على مواجهة الاحتلال،والدفاع عن أرضه ومقدساته عبر الوسائل النضالية والتنظيمية والشعبية وبجوعه وإضراباتهواعتصماته وصرخات التحدي والصمود. خرج من واقع القمع في المعتقلات الإسرائيلية بعدعام 1967 حتى بداية السبعينات من القرن الفائت حركة نضالية أسيرة، سعت إلى الدفاع عنالأسير الفلسطيني الفدائي، المقاتل، المناضل، الذي وقع في الأسر، ووقعت عليه أسوء سياسةقمع عرفها الإنسان في العصر الحديث، فكانت السجون في إسرائيل واحدة من أدوات القمعالكبرى في السياسات الإسرائيلية لإحتواء النضال الوطني الفلسطيني الذي ايقظ العالمعلى معنى ووجود إسرائيل في المنطقة. من هنا بدأت الحركة الإعتقالية وجودها مع أول اضرابعن الطعام قام به الفدائيين الأسرى في سجن نابلس عام 1967 استمر أسبوعاً احتجاجاً واضحاًومباشراً أنذاك على ما كانت تمارسه إدارة السجون بحق الأسرى الأحرار، من تجويع، تعذيبوقمع، وضرب وحرمان، وغياب كامل للحقوق الانسانية حسب اتفاقية جنيف الرابعة . وبعد ذلكبدأت الحركة الاعتقالية تشن حملاتها الاحتجاجية بالإضراب عن الطعام، إلى أن جاء اضرابالأسرى الشهير بمعتقل عسقلان عام 1977، بإعلانهم اضرابهم المفتوح عن الطعام الذي استمرستة وسبعون يوماً، وبعد ذلك جاء اضراب نفحا الشهير عام 1980 ليستمر ثلاثة وثلاثين يوماً،استشهد خلاله الشهيدين علي الجعفري، وراسم حلاوه. ثم جاء اضراب الجنيد الشهير عام1984، واستمرت عجلة النضال الاعتقالي بكل أشكالها المبتكرة من هؤلاء الطلائع الذينحملوا السلاح وعبروا الحدود وثاروا في الأرض المحتلة وشكلوا الخلايا والمجموعات المسلحة،ليشنوا الكفاح المسلح ضد أهداف الآلة العسكرية الإسرائيلية، هؤلاء شكلوا رافداً منروافد الثورة داخل السجون، وجعلوها حركة اعتقالية نضالية معطائة. كان لها الأثر الكبيرعلى الصراع العربي/ الإسرائيلي بل وأصبحت طرف رئيسي في المعادلة طالما التزموا الشبابمنذ البداية، بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً وحيداً لشعبنا، وهو المبدأ الذي مارستعليه الحركة الاعتقالية بناؤها التنظيمي والكفاحي، بل وأدرك السجان أن هؤلاء الأسرىهم جنود وضباط منظمة التحرير، التي أقلقت نوم قادة الاحتلال وكيانهم السياسي لسنواتطويلة وحتى يومنا هذا انشاء الله . وتطور النضال الاعتقالي عبر عقود خمسة سقط الشهداءوأصيب الآف من أبناء الحركة الأٍسيرة بالأمراض المزمنة وراهنت إدارة السجون أن يكونهؤلاء الأبطال عبئاً على المجتمع الفلسطيني لا حول لهم ولا قوة، طالما كانت السجونوالمعتقلات مرادفاً لأعواد المشانق، وهذا ما اسقطته الإرادة الفلسطينية التي جعلت منالسجون حركة نضالية وجبهة من جبهات المواجهة مع قوات الاحتلال متعدد الأجهزة القمعيةوالأساليب والوسائل، كلها كان مجتمعة هدفها سحق المناضل الفلسطيني معنوياً ومادياً،وجسدياً. فشلت إدارة السجون في مواجهة الإرادة الفلسطينية وحطم هؤلاء كل ما راهنت عليههذه الإدارة القمعية المزودة بالإمكانيات والخبراء والوسائل العديدة. واستطاعت إرادتهمإرادة الفدائيين والمقاتلين والمناضلين أن تقيم التنظيم السري وتحافظ على قيم الصمودوالنضال والثقافة الوطنية، والتمسك بالتشكيلات السياسية التابعين لها، واثبتوا للقاصيوالداني أنهم حملوا الرسالة بجدارة وأمانة وشجاعة وبعثوا بالرسالة رسالة الصمود منخلف القضبان والأسلاك الشائكة، وأنهم على موعد مع الصبح إسرائيل التي استخدمت عبر إدارتهاوسجانيها شروط الحياة الأساسية للبشر ضد الأسير الفلسطيني وجعلته محروماً منها لسنواتطويلة سواء كانت ، مأكل، أو ملبس، أوعلاج، أوثقافة أودين، أواجتماعيات، وكل ما يحتاجإليه الإنسان داخل السجن، كان هذا ليس من فراغ وليس صدفة، لقد كانت سياسة حكومات إسرائيلطالما راهنت أنها تريد أن تعدم "ثورة بكاملها" وشعب بكامله، بل وتدفع الناسللهجرة من البلاد عبر الضغط والتعذيب وتجاهل حقوق البشر الأساسية. ولذلك راحت الحركةالأسيرة تنظم أبنائها المناضلين وتثقيفهم وتعبئتهم، وتعزز إيمانهم بقضيتهم وبعدالتهاوأهمية ذلك في كل مناحي الحياة، فخرجت أشكال نضالية لمواجهة سياسة القمع والقتل، كالإضرابعن الطعام المحدود والمفتوح، والاعتصام ومقاطعة إدارة السجن وسجانيها، واللجوء إلىحملة فضح سياسة إدارة السجون، وتعريتها سياسياً وإعلامياً وخلق حالة التفاف جماهيريوسياسي، للضغط على حكومة إسرائيل البائسة والملعونة، لإجبارها القبول بمطالب الأسرىالعادلة والمعقولة، لأن السجان الإسرائيلي هو الذي يحرم هؤلاء العيش بالحد الأدنى منشروط الحياة البشرية، وهم أيضاً الإسرائيليون الذين يمارسوا سياستهم العنصرية بحق هؤلاءالرجال الصامدين الملتزمين.غير ىبهين بالقوانين والمواثيق الدولية إن الإضراب المفتوحعن الطعام اعتبرته أجيال الحركة الأسيرة سلاحاً خطيراً على أبنائها الذين يخوضونه،وفي نفس الوقت الشكل النضالي الاعتقالي الأرقى من بين كل الأشكال النضالية الأخرى،لأنه وبكل فخر واعتزاز بالرغم من آلامه وعذاباته الجسدية والغرائزية فهو امتحان كبيرللنفس، وأداة ضغط على السجان الإسرائيلي اللئيم والحقير الذي ينفذ سياسية إدارته الفاشية،بلا رحمة، وبلا رادع وانما بحقد اسود . لقد أجبروا أبناء الحركة الأسيرة، خوض هذا النضالالاعتقالي الصعب وفي كل المراحل، ولم يلجأ الأسير إلى هذه العملية إلا بعد أن استنفذكل ما لديه من وسائل وأساليب سلمية وحوارية مع إدارة السجون، وبالتالي يجب أن ندركوبسرعة أن اتساع جبهة المساندة والدعم خارج السجون وأسوراها وأسلاكها الشائكة، هو الجزءالمكمل لنضالهم في مواجهة هذا القمع لتحقيق نصرهم وحقوقهم المعيشية الأسياسية، وعليهفإن كل الشرفاء من أبناء شعبنا ومؤسساتنا وأصدقائنا التحرك الجماعي والكبير لإحداثفضحية لحكومة اليمين الإسرائيلية في الرأي العام، والذي شكل ضغطاً هاماً على صناع القرارفي الكيان الإسرائيلي العنصري، الذين اختاروا هذا القطاع للإنتقام منه بعد هزيمتهمفي الأمم المتحدة، أمام خطاب سبتمبر التاريخي. هكذا هي المعادلة الإسرائيلية الهجوموالقمع على الأوساط المدنية والإنسانية، وتحريك تنظيمات المستوطنين والإعتداء على المواطنينفي قراهم، وأماكن سكناهم وحرق وتدمير ممتلكاتهم وشد الطوق على عنق حركة الأسير لخنقهاأو قتل هذا الشاب أو ذاك الفتى على الطريق، وهكذا دواليك يلهو الإسرائيلي وقوات احتلالهومستوطنية وسجانيه. العملية القمعية منسقة ومتكاملة وهي بمحصلة الأمر تستهدف الفلسطينيأينما وجد. وبالتالي نحن ندرك أين يذهب هذا الاحتلال بقمعه وماذا يريد من ورائه؟ لكنقيادتنا، وكوادرنا ومؤسساتنا ومعنا كل الأصدقاء الأحرار، سيتحدوا ويتحركوا بجبهة واحدةلمنع هذه المؤامرة أن تمر، بل سيزداد هؤلاء الأبطال أسرانا الصامدين صلابة، وإرادة،وسيتحدوا وسيواصلوا التزامهم بالحرية والاستقلال، وستنتصر إرادة الحق على هؤلاء القتلة،وإن غدٍ لناظره قريب.