من حق كل فلسطيني التعبير عن رأيه، وموقفه من أي شأن عام، ويدافع عن قناعاته، وخياره السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي والثقافي العام. ولا يجوز لكائن من كان الحجر على أي رأي آخر، حتى لو كان متناقضا مع رأي الغالبية، والمرجعيات الوطنية. ولكن هذا الحق ليس مسلما به، ولا مقدسا، أو غير قابل للنقض، والنقاش، والتفنيد والدحض، وإظهار مثالبه وعيوبه، وخلفياته المتآكلة والذاتوية، أو العكس إبراز إيجابياته وتعميقها، وتعميمها.

من أصحاب المواقف الباهتة، والباطلة ما حمله مقال بعنوان "شعبنا أهم من الأحزاب- الوحدة الوطنية هي المفتاح" للبروفيسور أسعد غانم، المنشور في صحيفة "كل العرب" الصادرة في أراضي عام 48 بتاريخ 8 حزيران/يونيو 2019، الذي استهدف فيه الكاتب القيادة الفلسطينية، ووضعها في ذات السلة مع قيادة الانقلاب، وأيضا مع قادة الأحزاب في الـ48، وائتلافيها في انتخابات التاسع من نيسان /إبريل الماضي، وألقى بتهمه جزافا على قيادة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، قائلا: "طبعا قدوم السلطة وسياسات "فرق تسد"، والتزامها بأمن إسرائيل أولا، أدى إلى تفريق الوحدة الوطنية، ووصلنا إلى التفكك التام، وانعدام الدعم الشعبي لما تقود إليه سلطتي رام الله وغزة". ( ...) وأضاف معمقا تخرصاته الصبيانية، والمردودة عليه، وعلى أضرابه من المتهافتين والنرجسيين حين استطرد في الحديث عن تغذية الأزمات الداخلية، فقال "التي غذّتها عوامل التفرقة الداخلية والخارجية، التي كان أولها سياسات السلطة واستهدافها لمناعتنا الوطنية". ثم ينقض على القائمة المشتركة ومكوناتها، ويجادل القوى والأحزاب المكونة لها، ويحدد وزنها، ويطالب بإعادة تشكيلها من الكل الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل، ويعطي أولوية لشخصه وأضرابه من المأزومين.

الدكتور أسعد غانم وقع في الخطيئة، لأكثر من سبب، منها، أولاً: أن خلفيته الأساسية لهجومه الباطل ومدفوع الثمن من جهات، هو يعلمها، يعود لحساب نرجسي مقيت، يعكس حجم التضخم، الذي يتلبس شخصه؛ ثانيا: يعود سبب الهجوم على قيادة منظمة التحرير وسلطتها لعدم تبنيها رؤيته، رغم أنها لم تتجاهله، ولكنها تعاملت معه ككفاءة "محترمة"، ولكن ضمن حجمه الطبيعي؛ ثالثًا: الفجور الأخلاقي، عند غانم، تجلى مع وصف السلطة الوطنية، وكأنها "عدو"، وتعمل وفق مبدأ "فرق تسد" البريطاني في أوساط شعبنا، وهو ما يشير إلى أن المدعو غانم بات يتماهى مع كل من يعمل على تمزيق وحدة النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي الفلسطيني؛ رابعا: الإساءة لمكونات وأحزاب القائمة المشتركة، والتقليل من شأنها، وتضخيم شأنه ومكانته، ومكانة من والاه يعكس الإصرار على تمزيق وحدة الصف الفلسطيني، والحؤول دون لَمّ الشمل الفلسطيني في داخل الداخل، والإبقاء على عملية التشرذم، وكأن لسان حاله يقول "يا إما أن أكون على رأس القائمة المشتركة، أو لا تكون"؟ خامسا: إعلانه الآن عن حملته التخريبية ضد وحدة قوى وأحزاب وشخصيات شعبنا داخل الداخل وباسم "الوحدة الوطنية"، يعكس المآل الذي يسعى إليه مع من يقف خلفه، لأنه لا يمت للوحدة الوطنية، ولا لمصالح شعبنا من قريب أو بعيد.

تطاول واتهامات أسعد الباطلة لمنظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها الوطنية، التي كان قبل أيام يسعى المذكور للقاء أحد قادتها (محمد المدني، رئيس لجنة التواصل التابعة لمنظمة التحرير) مرتين، ثم يتراجع عن الموعد، يكشف بيت العنكبوت الواهي، الذي يختبئ خلفه غانم، ويفضح ويعري سقطته المريعة، ويحوله لابنٍ ضال، ومارق، ولا يستحق أية التفاتة، لأن اتفاقات أوسلو بكل ما فيها من نواقص ومثالب، لا تعني للحظة تخلي القيادة الشرعية عن دورها ومكانتها كحامية لمصالح أبناء الشعب الفلسطيني في كل بقاع الأرض بما في ذلك حملة الجنسية الإسرائيلية. والتنسيق المذكور أيها المسكون بهواجسك النرجسية لا يحول دون تمثيل المنظمة لأبناء الشعب الفلسطيني، وحماية وحدتهم، لأنها أحد أهم أسلحة المواجهة لدولة الاستعمار الإسرائيلية.

نزقك وتهافتك وركضك خلف المجهول والوعود السرابية، أوقعتك في متاهة الاغتراب عن مصالح شعبك، وأزالت كل المساحيق عن وجهك، وثوبك الزائف، ولن ينقذك أحد من المستنقع الآسن، الذي أغرقت نفسك فيه.