يحفظ ابناء فتح هذه العبارة بل ويرددونها دائما، ولكن هل تنبعث صادقة من اعماق قلوبهم حين ينطقون بها، وهل ينطقونها بلهجة المقتنع الذي اخضعها لتفكير عقلي، وهل تنعكس القناعة بها على سلوكهم.
ان الفهم الاشمل لهذه العبارة يعني من بين ما يعنيه قدسية الهدف، الا وهو تحرير فلسطين، والنظر الى فتح على انها طريق لهذا التحرير، ففتح ليست ديمومة لذاتها وانما ديمومة للثورة، من اجل التحرير. ومن هنا لا ينبغي في أي حال من الاحوال اعلاء شأن الوسيلة اكثر من الهدف، ولا حتى على حسابه.
ومن بين ما يعنيه كون فتح وسيلة وليست هدفا انها يجب ان تبحث عن الالتقاء الدائم مع الوسائل الاخرى، فالمفترض ان تكون بقية الحركات والفصائل الفلسطينية وسائل اضافية على طريق الهدف، وطالما ان الهدف مقدس، فان كل الجهود يجب ان تنصب من اجل توحيد كل الوسائل لإنجازه، وهذا يفرض على فتح والفتحاويين ان تكون وان يكونوا واسعي الصدر ومتقبلين للآراء الاخرى، وفي حالة بحث دائم عن المشترك بين الجميع لتحقيق الهدف المقدس.
وطالما ان الهدف المقدس وان الوسائل اقل قداسة فان عقول الفتحاويين يجب ان تكون مستعدة دوما لتطوير وسيلتهم وتحديث حركتهم بما يتواكب مع الاحداث وبما يتلائم مع المستجدات وهي كثيرة جدا، فالحفاظ على تراث الحركة وتاريخها لا يعني التقوقع والتحجر والانعزال عن العالم، التغيير والتطوير والتجديد مطلوب دوما شريطة ان يكون دوما باتجاه الهدف المقدس.
ربما لم تعانِ فتح كثيرا في تجديد سياساتها بل كانت سباقة على غيرها في ذلك، ولقد كانت رائدة في هذا المجال حتى ان من عارضها وبشراسة عاد متأخرا ليلحق بها. غير ان فتح عانت وما تزال من عدم تجديد قياداتها وعدم تطعيم الهيئات القيادية بالكوادر الشابة صاحبة الطاقة والحماس والقدرة على التجديد والاهلية لمخاطبة الاجيال الشابة، ولقد اسهم هذا في اعطاء الجمهور انطباعاً بان الحركة تقليدية ومحافظة وتسير نحو الشيخوخة.
راكمت فتح خلال مسيرتها كما كبيرا من الكوادر، وظل فيها تاريخيا عقدة احترام الكادر المتقدم، وواجب انصافه، ولم تستطع ان تعقد مؤتمراتها بانتظام، وهو ما حال دوما دون تبوء الشباب لمواقع قيادية متقدمة.
فتح اليوم بحاجة الى حلول ابداعية لهذه المعضلات من قبيل إيلاء اهمية اكبر لمؤتمرات الأقاليم بحيث تكون منتظمة وفاعلة والمكاتب الحركية كذلك حتى يقل التزاحم على عضوية المؤتمر، وكذلك التفكير بآليات وطرق دائمة تسمح للكادر الوسطي الشاب بإيصال صوته والتفاعل معه .
في المؤتمر الاخير كثرت الانتقادات العلنية ولكنها انصبت على العضوية فقط وكان الاولى بالمنتقدين مناقشة السياسات والمعايير ليضربوا البرهان على جدارتهم بعضوية المؤتمر.
جدارة الشباب تحتاج الى دليل واما جدارة الكهول فإنها مستندة الى تاريخهم، ولا بد للجيل الشاب من اثبات جدارته بشكل يتفوق على تاريخ كهول الحركة.
لا اخشى على حركة فتح من عدوها الاسرائيلي فاستهداف الاحتلال لها باي شكل من الأشكال يقويها.
ولا اخشى على فتح من التآمر العربي والاقليمي فالفلسطيني صاحب حس فريد ولا يثق ولا يطمئن للاطراف الخارجية.
ولا اخشى على فتح من اي انشقاق او تجنح فالانشقاق والتجنح كان دوما وسيلة ربانية لتنظيف وتطهير الحركة.
لا اخشى على فتح الا من غياب اصحاب الفكرة عن المشهد، وترك مواقعهم لصالح قيادات الميدان المندفعة الانفعالية المتسرعة المُستفزَة دوماً، هؤلاء على طهرانيتهم وبرائتهم وحبهم للحركة قد يضروها، لانهم يضعون فتح في موضع اصغر بكثير من موقعها الحقيقي، ويتعاملون على اعتبارها منافسا للفصائل الاخرى وفي هذا ظلم كبير لحركة ولدت لتكون عمودا فقريا واما للمناضلين، ولذلك لا يجوز اطلاقا ان يتسيدوا المشهد.
الجيل الشاب الذي نريده في المواقع القيادية لا بد وان يحمل فكرا، وان يكون قارئا جيدا للتاريخ والسياسة والفلسفة وعلم الاجتماع، ولتجارب حركات التحرر بما فيها تجربة الهند وجنوب افريقيا، وليس فقط فيتنام، ونريد منه ان يدرس ما جرى للدول التي انتصرت فيها حركات التحرر، ونريد منه ان يستحدث آليات جديدة غير نمطية وان يبادر على الارض، فهذه هي الطريق الوحيدة لإثبات الجدارة، هكذا انطلق اسلافنا وكانوا اصغر منا واقل معرفة، ولكنهم تثقفوا وتعلموا وفكروا وطبقوا على الارض، واثبتوا جدارتهم وسحبوا البساط من تحت دعائم افكار كان لا يرقى الشك اليها، ومن تحت اقدام زعامات كان ينظر اليها بكل ابهة وتقديس.
وخوفا من ان لا تصل هذه الرسالة للجميع اقول باختصار : فتح ليست حزب بعث ولا نريدها حزب بعث ولا نريد من يصر على دفعها لتكون حزب بعث.

خاص مجلة القدس/ الاصدار السنوي العدد 344 كانون الثاني 2018