الكابري قرية فلسطينية لا تبعد عن عكا أكثر من 15 كلم، اشتهرت بخصب أراضيها وعذوبة وغزارة مياهها التي سحبت بقناة إلى مدينة عكا في عهد أحمد باشا الجزار.

أنيسة الطيب، وهي واحدة من أهالي الكابري الذين عاشوا النكبة عام 1948، كانت تحتضن حفيدتها المولودة في النكبة الجديدة التي حلت على الفلسطينيين في سوريا، عندما ذكرت بأن الصهاينة سرقوا البيوت والأراضي ومحاصيلها في ذلك العام.. ومع ذلك فإن ذكرى بحر عكا وسورها، وحكايات الكابري مع المشاهد التصويرية التي طافت بالبيوت والأراضي والصاج والطابون تحضر بقوة، أكثر مما تحضر مشاهد المأساة التي يعيشونها في شتاتهم الجديد في عين الحلوة.

أما حسنة موسى حسين، وهي أم لعشرين ولداً، فقد هجرت قبل 65 عاماً من قرية لطالما افتخترت بمنازلها المتراصفة، وغلالها الوفيرة من القمح والذرة.. من قرية المفتخرة المجاورة للخالصة والقريبة من الحدود السورية. وقد هجرت مجدداً من سوريا بعدما خيم شبح الحرب على منطقة السبينة التي يسكنونها، وسكنت في خيمة جديدة في مخيم عين الحلوة لتتكرر المعاناة نفسها وكأن العقود الستة من الهجرة الأولى ذهبت هباءً..

آمنة ذياب حسن، هي الأخرى لجأت إلى مخيم عين الحلوة هرباً من القصف والدمار في سوريا، بعدما كانت قد لجأت إليها عام 1948 من قرية العلمانية في قضاء صفد.. يومها كانت لا تزال طفلة تجلس حول أهلها الذين أخرجوا من بيوت وأراض فيها الكثير من الخيرات إلى خيام يعانون فيها حر الصيف وبرد الشتاء.. اليوم كان أحفاد آمنة يجلسون يجتمعون حولها فيستمعون إلى تفاصيل النكبتين في العلمانية والسبينة، وهم يدركون تماماً معنى العذابات التي تتحدث عنها جدتهم لأنهم قد عايشوها لأشهر ولا يدرون متى تنتهي.

أنيسة الطيب، حسنة حسين وآمنة حسن.. أمهات وجدات ولدن في فلسطين وعشن فيها وكابدن مرارة الاقتلاع منها والعيش في الشتات لعقود طويلة.. وقد تعاونّ مع هوية في توثيق تاريخ عائلاتهن في القرى التي ولدوا فيها كي يحفظن لأولادهن وأحفادهنّ حقهم في العودة، ويدعين الله أن يفرج همهنّ وهمّ الشباب، ويسألنه أن يفتح لهم طريقاً للعودة.. صحيح أنهن تتحدثن عن العودة إلى بيوتهن في سوريا، ولكن العودة إلى فلسطين تبقى حلماً قابلاً للتحقيق، بل يرونها الحل والنهاية لآلام ومآس لم تتوقف منذ منتصف القرن الماضي.