ابراهيم الأمين
تقترب حركة «حماس» من لحظة المواجهة الأهمّ. هذه المرة المساءلة داخلها، وبين قواعدها. وما سيدور داخل الحركة الفلسطينية الأكثر تأثيراً في تاريخ المقاومة الفلسطينية المعاصرة، سيستمر لوقت طويل، وستكون له أوجه عدة، من العقائدي والفقهي والديني، إلى السياسي والتكتيكي، إلى التنظيمي والإطار القيادي. وقد لا تكون هناك حاجة لانتظار نتائج سريعة جداً، باعتبار أن التحوّل الواقعي سينعكس الآن على صعيد الموقف السياسي للحركة من أزمات المنطقة.
أولويات «حماس» كثيرة، سواء في ما خصّها كجزء من تنظيم «الإخوان المسلمين»، أو في ما يتعلق بكونها حركة مقاومة، أو شريكاً في إدارة شؤون الشعب الفلسطيني، أو طرفاً رئيسياً وفاعلاً بين فلسطينيي الشتات. وما يدهمها الآن هو نتائج الانقلاب الذي أصاب حكم «الإخوان» في مصر، وتداعيات الحدث هناك على حكم الجماعة ونفوذها في السودان وتونس وليبيا، إضافة إلى انعكاس كل ذلك على موقع «الإخوان» في أزمات كثيرة التعقيد، من العراق إلى سوريا ولبنان.
الأولويات فرضت على الحركة تظهير خصومات أساسية أو رئيسية، وإعادة توصيف خصومات أخرى على أنها ثانوية ويمكن دفعها إلى أسفل في سلّم الأولويات. لكن الذي يقدر على حسم الصورة اليوم هو الدور الذي ترشّح «حماس» نفسها للقيام به: المنسق المركزي لحلف المتضررين من المحور الأميركي السعودي الإسرائيلي والذي يضم في جنباته الأردن ودولة الإمارات العربية وقسماً من التيارات السلفية الدعوية والجهادية الناشطة في أكثر من مكان.
لا يبدو أن «حماس» ترغب في إطلاق وصف «المراجعة» على ما تقوم به الآن. هي تفضّل القول إن تطورات كبيرة حصلت تفرض قراءة سياسية جديدة، وتفرض، بالتالي، تحديد وجهة، وصياغة تحالفات جديدة. والحركة، هنا، لا تدّعي أنها تسعى إلى دور مركزي في كل الأمكنة. هي تعرف تماماً أن موقعها الذي كان مركزياً وخسرته ضمن محور المقاومة، لا يمكن أن يعوّض. كما أن موقعها الرئيسي في المحور الآخر الداعم لحكم «الإخوان»، ليس هو الدور المركزي. ما يعني أنها تحاول صياغة موقع يحفظ لها هوامشها ويسمح لها بتجديد التواصل والتعاون والتفاعل مع الجميع.
في هذا السياق، يعتقدون في «حماس» بأن القراءة الجديدة تحتم القول إن «الربيع العربي والصحوة الإسلامية تركا آثاراً سلبية كبيرة على محوري المقاومة ودول الاعتدال». صحيح أن الأميركيين، ومعهم السعودية وإسرائيل، خسروا مصر حسني مبارك، لكن محور المقاومة خسر استقرار سوريا، ولم يربح مصر الجديدة. واضطرّت قوى مركزية إلى التورّط بما أتعبها، من تركيا في سوريا، إلى حزب الله في سوريا، إلى كل حركة «الإخوان» التي تناقش وضعها الآن في «ضوء الانقلاب المنظّم الذي حصل في مصر بقيادة السعودية».
«حماس» تعتبر، بصراحة، أن السعودية تمثّل اليوم رأس حربة المشروع المناهض لها. وهي ترى أن المملكة تورّطت في تحالف مع الأميركيين والإسرائيليين يضم الإمارات العربية والأردن وقوى سلفية، وهو مشروع يريد إقصاء كل الآخرين، بدءاً من تمويل وتنظيم «الانقلاب» ضد حكم «الإخوان» في مصر، إلى الإعداد لانقلاب آخر في قطاع غزة، إلى السعي الى إطاحة النظام في سوريا، إلى محاصرة إيران ودفعها إلى مواجهة مع أميركا، إلى الحملة على حزب الله بغية محاصرته وإضعافه. وترى «حماس» أن السعودية تتصرف على أنها «القائد الأوحد»، ولذلك عادت لتواجه قطر وتركيا وعواصم عربية وخليجية أخرى، وبالتالي فإن الحركة تعتقد بأن المحور الذي تلعب السعودية دوراً محورياً فيه الآن يريد الآتي:
ــ تثبيت الانقلاب في مصر والسعي إلى توجيه ضربة لحماس في قطاع غزة.
ــ شن حرب بلا هوادة لإسقاط حكم الرئيس بشار الأسد.
ــ محاصرة حزب الله في لبنان تمهيداً لشن حرب ضده من قبل كل خصومه.
ــ التحريض ضد إيران، ودفع الغرب إلى مواجهة مباشرة هدفها ضرب النظام الإسلامي في إيران.
ــ القضاء على وجود حركة «الإخوان المسلمين» ونفوذها في كل العالم العربي، وتعزيز دور التيارات السلفية التي تقوم بأعمال منافية للإسلام وقيمه.
بناءً على هذه «القراءة»، تشعر «حماس» بأنها أمام مهمة مركزية، فيها نقاش عميق مستمر مع إيران، بغية وضع استراتيجية جديدة لتنظيم «حلف المتضررين» من الهجوم السعودي. والحركة تدرس الأمر من زاوية أن في مقدورها لعب دور مركزي في التقريب بين إيران من جهة، وتركيا وقطر من جهة ثانية، في مقابل أن تسعى إيران إلى لعب دور داعم للتقارب بينها من جهة وبين حزب الله والنظام في سوريا من جهة ثانية.
وبحسب الأجواء لدى قيادة حماس، فإن تقدماً كبيراً حصل على صعيد تحسين العلاقة مع إيران، وقد استؤنف الدعم الإيراني لكتائب عز الدين القسام ولحكومة إسماعيل هنية قبل فترة بعدما أدى توقفه إلى صعوبات كبيرة واجهت الجناح العسكري للحركة، وإلى توقف مساعدات كانت تقدمها حكومة هنية في مجالات مختلفة، كذلك استؤنف التواصل على صعيد ملفات أكثر سخونة، من العراق إلى سوريا إلى المخيمات الفلسطينية.
«حماس» مهتمة كثيراً بدفع القطريين والأتراك نحو تفعيل العلاقة مع إيران، وتسعى إلى بناء تفاهمات لا تلزم الأطراف كافة بخطوات سريعة أو حاسمة بالنسبة إلى الملف السوري. لكن الحركة تعرف، كما تركيا وقطر، أن إيران التي تمتلك استراتيجية خاصة في المنطقة، تعوّل كثيراً على تحوّل في السياسة التركية والقطرية إزاء سوريا. وهي ترغب في أن تقوم «حماس»، بنفسها، بدور إضافي في سوريا من خلال أمور كثيرة.
في تركيا وقطر إشارات عملانية وخطوات ربما لم تظهر كلها إلى العلن بعد، لكنها تدل على تحوّل في فهم تركيا وقطر لكل التطورات الحاصلة في الملف السوري خلال السنة الأخيرة، وإقرار ضمني بفشل مشروع إسقاط الرئيس بشار الأسد، وكذلك خشية تركيا وقطر من النفوذ المتعاظم للسعودية وللجماعات الوهابية المتصلة بها، في قلب قوى المعارضة السورية، السياسية منها والمسلحة.
لدى «حماس» تقدم مقبول. تقول قيادة الحركة اليوم، بعد عامين ونصف على الأزمة، إنّ الهدف الأميركي السعودي الإسرائيلي من الحملة على النظام في سوريا ليس تلبية طموحات الشعب السوري أو دعم مسيرة الإصلاحات، بل إطاحة حكم يدعم تيارات إسلامية مناهضة للفكر الوهابي والفكر التكفيري وإطاحة حكم يدعم قوى المقاومة. وهنا لا تفوت «حماس» الإشارة من جديد إلى أن النظام في سوريا قدّم لها دعماً لم تقدمه أي دولة عربية.
الحركة تقول لقواعدها إن مصلحة المقاومة في فلسطين، ومصلحة «الإخوان المسلمين» ليستا في إسقاط النظام السوري، وإن كل نقاش حول توصيف النظام حالياً ليس أولوية وليس ملزماً لأحد، وخصوصاً لـ«حماس»، وإن مصلحة فلسطين والمقاومة في فلسطين هي في تعزيز العلاقة مع إيران وحزب الله وقوى المقاومة في المنطقة. وبالتالي فإن الحركة تمارس دوراً خاصاً على صعيد احتواء مجموعات مقاتلة في سوريا تضم مقاتلين محسوبين عليها، وكذلك لعب دور خاص لتحييد المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان عن الأزمات القائمة، وإن من واجبها العمل على تعزيز الحوار والتواصل مع كل الأطراف الفاعلة في هذا المحور.
اليوم يدور نقاش كبير داخل الأطر القيادية في «حماس». ثمّة تغييرات كبيرة حصلت على الصعيد التنظيمي وعلى صعيد آلية اتخاذ القرار في الهيئات القيادية المركزية، ونقاش واضح حول مكان وجود رئيس الحركة والقيادات البارزة، وحول طريقة التعامل مع عواصم مثل القاهرة والخرطوم وبيروت ودمشق.
اليوم يدور نقاش واسع داخل الحركة حول الأخطاء التي ارتكبها «الإخوان» خلال حكمهم في مصر، وحول مراجعة السياسة العامة لهذا التيار خلال العامين الماضيين، وثمّة نقاش إضافي يخص القوى الجهادية في الحركة وكيفية ضمان مسار سياسي وتنظيمي لا يجعل الجناح العسكري رهينة أي تطور سياسي مفاجئ. لكن أهم ما يدور في أروقة حماس هو: كيف تعود حركة مقاومة، وفقط مقاومة؟!
في إيران، ترحيب بـ«حماس»، ولو مع صياغة جديدة للعلاقة معها. ولدى حزب الله قرار مركزي بالتعاون واستعادة الحرارة وكل الثقة، لكن وفق عِبر المرحلة الماضية. وفي سوريا، رغبة في انتظار رسائل جدية وعملانية من جانب الحركة، تساعد النظام على استئناف العلاقة. أما في فلسطين، فثمّة مخاوف من مغامرات ليست مجهولة الأب، قد تقود إلى حرب أهلية فلسطينية، يكون هدفها توجيه ضربة إلى المقاومة، وتغطية المساعي الأميركية لفرض تسوية تقضي على ما تبقّى من فلسطين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها